للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويروي ابن الجوزي بسنده عن محمد بن إبراهيم بن خالد قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: كتب أبي إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان: لست بصاحب كلام ولا أرى الكلام في شيء من هذا إلاَّ ما كان في كتاب الله أو حديث عن رسول الله أو عن صاحب، فأما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود (١).

ويعلم من مجموع الأقوال السابقة أن السلف رضي الله عنهم ذمّوا الجدل والكلام على الجملة وإن قصد به المتكلم نصر الكتاب والسنة، فالبدعة عندهم لا تقابل بالبدعة، وهنا تكمن الحكمة في عدم مجالسة أهل البدع والضلال، فإن مجالستهم ومناظرتهم ومخاطبتهم قد تورّث شبهاً يستعصي حلها، وعليه فإن اجتنابهم قد يكون أنفع للمسلمين من مخاطبتهم، فإن الحق إذا كان ظاهراً قد عرفه المسلمون، وأراد بعض المبتدعة أن يدعو إلى بدعته فإنه يجب منعه من ذلك، وينبغي أن يهجر ويعزر كما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصبيغ بن عسل التميمي (٢)، وكما كان المسلمون يفعلونه، أو يقتل كما قتل المسلمون الجعد بن درهم (٣) وغيلان الدمشقي (٤)، فالمسلمون أقاموا الحجة على غيلان وغيره وناظروه وبينوا له الحق، فلما أبى قتل كفراً، والمصلحة في القتل أرجى، بخلاف ما لو ترك يدعو إلى بدعته وَهُوَ لَا يَقبل الحق، إما لهواه، وإما لفساد إدراكه.


(١) مناقب الإِمام أحمد: ٢٥٤ وانظر صون المنطق والكلام للسيوطي: ١٠٨.
(٢) كان من أهل الأهواء يسأل عن متشابه القرآن، فعاقبه عمر وأمر بألاّ يجالسه أحد من المسلمين، حتى تاب وحسن أمره فأذن عمر رضي الله عنه الناس بمجالسته. انظر عنه: سنن الدارمي ١/ ٥٤ - ٥٥ المقدمة: باب من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع.
(٣) هو من الموالي، كان مؤدباً لمروان بن محمد -آخر خلفاء بني أمية- ولكنه أظهر القول بخلق القرآن، وقد أمر هشام بن عبد الملك خالد القسري وإليه على الكوفة بقتل الجعد لذلك ولقوله بالقدر، فقتله نحو عام ١١٨. انظر ابن الأثير: الكامل ٥/ ١٦٠، الذهبي: ميزان الاعتدال ١/ ١٨٥، ابن حجر: لسان الميزان ٢/ ١٠٥، ابن نباته: سرح العيون: ١٨٦.
(٤) هو غيلان بن مسلم، كان يقول بالقدر، قتله هشام بن الحكم. انظر الملطي: التنبيه: ١٨٥، ابن نباته: سرح العيون ١١٨.

<<  <   >  >>