للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الترتيب والتدريج ما شاء (١)، فالباري تعالى يخلق في القلوب إدراك العلوم ابتداء، ويركبه، فيجري التدبير فيها والتقدير (٢).

أما تجرد النفس أو القلب من علائق المحسوسات كي يترقى إلى المعقولات فتتجلى فيه المعلومات على حقائقها، فقد أنكره ابن العربي أشد الإنكار، وأجاب على هذا الرأي متهكماً: عسى أن يكون ذلك إذا مات!!، واستدل بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:

"إنهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي فَأسْتَغْفِرُ الله كَذَا مَرَّة" (٣).

فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفضل الأمة على الإطلاق كان يغان على قلبه فيستغفر الله، فكيف يصح أن يدعي عاقل فكيف عالم قلباً لا يدركه غين، ولا تتطرق إليه غفلة، حتى يترقى إلى حالة الفناء، وقد حف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - الأزواج وخالطهن بالوطء، فكيف يدعي أحد قطع علائق ربطها الله قبل، ولم يأذن بحلها، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يشدها، ويحث على النكاح وعلى انتقاء الأبكار لا على انتفاء الأفكار (٤).

أما قول الغزالي: "إن هذا الكشف ينال بالتجربة معهم والصحبة لهم" فقد رد عليه ابن العربي بأن التعرض للتجربة إنما يكون في الممكن، فيحك في مدق التجربة، فأما الذي لم يثبت بدليل، ولا سبقت به عادة فكيف يتعرض له بتجربة، والصحابة لم يسلكوا طريقه ولا نظروا تحقيقه، بل الوارد


(١) العواصم من القواصم: ٤١ - ٤٢.
(٢) م، ن: ٤٤.
(٣) سيأتي تخريج هذا الحديث في تعليقنا رقم: ١ على قانون التأويل: صفحة: ٥٦٥ قال الخطابي في تفسير هذا الحديث: "وليس هذا على أنه كان يغشى قلبه شك بعد المعرفة، أو ريب بعد اليقين وإنما ذلك لأنه كان لا يزال في مزيد من الذكر والقربة ودوام المراقبة، فإذا سها عن شيء منها في بعض الأحوال وغلب عليه النسيان لما فيه من الطبع البشري عدّهُ على نفسه ذنباً، وفزع إلى التوبة والاستغفار" شأن الدعاء: ١٩٩، وانظر: الهروي: غريب الحديث ١/ ١٣٦ - ١٣٧.
(٤) العواصم: ٣٧ - ٣٨.

<<  <   >  >>