للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تأملته ثانيا، وجدته فوق ما كان في نفسي، لكن رأيته كتابا مبسوطاً، فأحببت أن أعلِّق منه هذا المختصر الذي قد احتوى على أكثر مقاصده، وأجل مهماته وفوائده سوى ما ذكر في أوائله من مسائل ظاهرة تتعلق بالفروع، فإنها مشهورة في كتب الفقه المستفيضة بين الناس، إذ كان المقصود من الكتاب غير ذلك.

ولم ألتزم فيه المحافظة على ترتيبه وذكر ألفاظه بعينها، بل ذكرت بعضها بالمعنى قصداً للاختصار، وربما ذكرت فيه حديثاً أو شيئاً يسيراً من غيره إن كان مناسباً له، والله تعالى أعلم.

وأسأل الله الكريم أن ينفعنا به، ومن قرأه، أو سمعه، أو نظر فيه، وأن يجعله خالصاً لوجهه، وأن يختم لنا بخير، ويوفقنا لما يرضاه من القول والعمل والنية، وأن يسامحنا في تقصيرنا وتفريطنا، ولا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقه، فإنه حسبنا ونعم الوكيل (١).

[قال المصنف [ابن الجوزي] رحمة الله عليه - بعد فراغه من هذه الخطبة]

أما بعد: فإني رأيتك أيها المريد الصادق، والعازم الجازم، قد وطنت نفسك على التخلي عن فضول الدنيا الشاغلة، وعزمت على الانقطاع إلى الأخرة، علماً منك أن مخالطة الخلق توجب التخليط، وإهمال المحاسبة للنفس أصل التفريط، وأن العمر إن لم يستدرك أدركه الفوت، وأن مراحل الأنفاس تسرع بالراكب إلى منزل الموت.

فنظرت أي أنيس من الكتب تستصحبه في خلوتك، وتستنطقه في حال صمتك، فإذا


(١) هذه الخطبة موجودة في نسخة (أ)، وفي نسخة (ب) بدلاً عنها الخطة المدرجة هنا وهي هذه بعد البسملة:
"الحمد لله منبه الراقدين في غفلاتهم بمزعجات الايقاظ، ومنزه التائبين من هفواتهم بملاطفات الوعاظ، ومحدث العارفين في خلواتهم بأحلى الكلمات والألفاظ، ومحذر الزاهدين بأشرف شهواتهم تأدباً حتى فرقوا عن الظاهرين اللحاظ، وقاموا إلى محاربة النفوس قيام الليث لحرب المغتاظ، وحفظوا ما استحفظوا فحفظوا وإنما الحفظ للحفاظ.
أحمده حمداً كثيراً فائت العدد دائم الألفاظ، وأصلي وأسلم على نبيه محمد الذي أعجز الفصحاء بما جاء به قساقيس يوم عكاظ، وعلى آله وأصحابه أهل اليقين والتقى والاستيقاظ، صلاة أتقي بها يوم البعث حر لظى والشواظ، ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ.
قال مؤلفه عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي رحمه الله: سميت كتابي هذا: "منهاج القاصدين ومفيد الصادقين".
وأسأل الله تعالى أن ينفعنا به ومن قرأه، أو سمعه، أو نظر فيه، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يختم لنا بخير ويوفقنا لما يرضيه من القول والعمل والنية، وأن يسامحنا في تقصيرنا وتفريطنا ولا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا إلى أحد من خلقه، فإنه حسبنا ونعم الوكيل.

<<  <   >  >>