للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الهوى، فينبغي أن تزعج فإذا اشتد قلقها، ينبغي أن تسكن ليعتدل الأمر.

وقال ابن مسعود رضى الله عنه: ليغفر الله عز وجل يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر.

وروى أن مجوسياً استضاف إبراهيم الخليل عليه السلام فلم يضفه وقال: إن أسلمت، أضفتك، فأوحى الله تعالى إليه: يا إبراهيم منذ تسعين سنة أطعمه على كفره فسعى إبراهيم عليه السلام خلفه، فرده وأخبره في الحال، فتعجب من لطف الله تعالى. فأسلم.

فهذه الأسباب التي تجتلب بها روح الرجاء إلى قلوب الخائفين واليائسين. فأما الحمقى المغرورون، فلا ينبغي أن يسمعوا شيئاً من ذلك، بل يسمعون ما سنورده في أسباب الخوف، فإن أكثر الناس لا يصلحون إلا على ذلك، كعبد السوء الذي لا يستقيم إلا بالعصا.

الشطر الثاني من الكتاب في

[٣ـ الخوف وحقيقته وبيان درجاته وغير ذلك]

اعلم: أن الخوف عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في الاستقبال.

مثال ذلك، من جنى على ملك جناية، ثم وقع في يده، فهو يخاف القتل، ويجوز العفو، ولكن يكون تألم قلبه بحسب قوة علمه بالأسباب المفضية إلى قتله، وتفاحش جنايته، وتأثيرها عند الملك، وبحسب ضعف الأسباب يضعف الخوف. وقد يكون الخوف لا عن سبب جناية، بل عن صفة المخوف وعظمته وجلاله، إذ قد علم أن الله سبحانه، لو أهلك العالمين لم يبال، ولم يمنعه مانع، فبحسب معرفة الإنسان بعيوب نفسه، وبجلال الله تعالى واستغنائه، وأنه لا يسأل عمل يفعل، يكون خوفه.

وأخوف الناس أعرفهم بنفسه وبربه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا أعرفكم بالله، وأشدكم له خشية" (١). وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ


(١) أخرجه البخاري ١٠/ ٤٣٧، ومسلم (٢٣٥٦) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً فترخص فيه، فبلغ ذلك ناساً من أصحابه فكأنهم كرهوه، وتنزهوا فبلغه ذلك، فقام خطيباً، فقال: "ما بال رجال بلغهم عني أمر ترخصت فيه فكرهوه، وتنزهوا عنه، فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم خشية له".

<<  <   >  >>