اعلم أن الألفة ثمرة حسن الخلق، والتفرق ثمرة سوء الخلق، لأن حسن الخلق يوجب التحابب والتوافق، وسوء الخلق يثمر التباغض والتدابر، ولا يخفى ما فى حسن الخلق من الفضل، والأحاديث دالة على ذلك.
فقد روى من حديث أبى الدرداء رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:"ما من شىء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن" رواه الترمذي وصححه. وفى حديث آخر:"إن أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة مساويكم أخلاقاً".
وسئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنه؟ فقال:"تقوى الله وحسن الخلق".
وأما المحبة فى الله تعالى، ففى "الصحيحين" من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:"سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله" فذكر منهم: "ورجلان تحابا فى الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه".
وفي حديث آخر يقول الله عز وجل:"حقت محبتي للمتحابين فيَّ، وحقت محبتي
للمتباذلين فيَّ، وحققت محبتي للمتزاورين فيَّ".
وفى حديث آخر:"أوثق عرى الإيمان، أن تحب فى الله وتبغض في الله"، والأحاديث فى ذلك كثيرة.
واعلم: أن يحب فى الله ويبغض فى الله، فإنك إذا أحببت إنسانا لكونه مطيعاً للَّه، فإذا عصى الله أبغضته فى الله، لأن من أحب لسبب أبغض لوجود ضدده، ومن اجتمعت فيه خصال محمودة ومكروهة، فإنك تحبه من وجه وتبغضه من وجه.
فينبغى أن تحب المسلم لأسلامه، وتبغضه لمعصيته، فتكون معه على حالة متوسطة بين الانقباض والاسترسال، فأما ما يجرى منه مجرى الهفوة التى يعلم أنه نادم عليها، فالأولى حينئذ الإغماض والستر، فإذا أصر على المعصية، فلا بد من إظهار أثر البغض بالإعراض عنه والتباعد، وتغليظ القول له على حسب غلظ المعصية وخفتها.