وقد قال سليمان التيمي عند الموت لمن حضره: حدثني بالرخص، لعلى ألقى الله وأنا أحسن الظن به.
[٧ ـ فصل في بيان الدواء الذي يستجلب به الخوف]
وذلك يحصل بطريقين:
أحدهما أعلى من الآخر. مثاله أن الصبي إذا كان في بيت، فدخل عليه سبع، أو حية، ربما لم يخف منه، وربما مد يده إلى الحية ليأخذها يلعب بها، ولكن إذا كان معه أبوه فهرب منها وخافها، هرب الصبي، وخاف موافقة لأبيه، فخوف الأب عن معرفة، وخوف الولد من غير معرفة، بل هو تقليد لأبيه.
فإذا عرفت هذا، فاعلم أن الخوف من الله تعالى على مقامين:
أحدهما: الخوف من عذابه، وهذا خوف عامة الخلق، وهو حاصل بالإيمان بالجنة والنار، وكونها جزاءين على الطاعة والمعصية، ويضعف هذا الخوف بسبب ضعف الإيمان، أو قوة الغفلة.
وزوال الغفلة يحصل بالتذكر، والتفكر في عذاب الآخرة، ويزيد بالنظر إلى الخائفين ومجالستهم، أو سماع أخبارهم.
المقام الثاني: الخوف من الله تعالى، وهو خوف العلماء العارفين. قال الله تعالى:
{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}[آل عمران: ٣].
وصفاته سبحانه تقتضي الهيبة والخوف، فهم يخافون البعد والحجاب.
قال ذو النون: خوف النار عند خوف الفراق، كقطرة في بحر، ولعامة الناس حظ من هذا الخوف، ولكن بمجرد التقليد، فهو يضاهى خوف الصبي من الحية، تقليداً لأبيه، فلذلك يضعف، فإن العقائد التقليدية ضعيفة في الغالب، إلا إذا قويت بمشاهدة أسبابها المولدة لها على الدوام، وبالمواظبة على مقتضاها في تكثير الطاعات، واجتناب المعاصي، فإذا ارتقى العبد إلى معرفة اله تعالى، خافه بالضرورة، ولا يحتاج إلى علاج يجلب الخوف إلى قلبه، بل يخاف بالضرورة.