ومثل الشيطان كمثل كلب جائع يقرب منك، فإن لم يكن بين يديك لحم وخبزه، فإنه ينزجر بأن تقول له: اخسأ، وإن كان بين يديك شئ من ذلك وهو جائع، لم يندفع عنك بمجرد الكلام، فكذلك القلب الخالي عن قوت الشيطان ينزجر عنه بمجرد الذكر.
فأما القلب الذي غلب عليه الهوى، فإنه يرفع الذكر إلى حواشيه، فلا يتمكن الذكر من سويدائه، فيستقر الشيطان في السويداء.
وإذا أردت مصداق ذلك، فتأمل هذا في صلاتك، وانظر إلى الشيطان كيف يحدث قلبك في مثل هذا الموطن، بذكر السوق، وحساب المعاملين، وتدبير أمر الدنيا.
واعلم: أنه قد عفي عن حديث النفس، ويدخل في ذلك ما هممت به، ومن ترك ذلك خوفاً من الله تعالى كتبت له حسنة وإن تركه لعائق، رجونا له المسامحة، إلا أن يكون عزماً، فإن العزم على الخطيئة خطيئة، بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل: ما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه".
وكيف لا تقع المؤاخذة بالعزم، والأعمال بالنية، وهل الكبر والرياء والعجب إلا أمور باطنة؟ ولو أن إنساناً رأى على فراشه أجنبية ظنها زوجته لم يأثم بوطئها، ولو رأى زوجته وظنها أجنبية أثم بوطئها، وكل هذا متعلق بعقد القلب.
[٢ ـ فصل [في ثبات القلوب على الخير]]
وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول:"يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب اصرف قلبنا إلى طاعتك".
وفى حديث آخر:"مثل القلب كمثل ريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح"(١).
واعلم: أن القلوب في الثبات على الخير والشر والتردد بينهما ثلاثة:
(١) أخرجه ابن ماجه (٨٨) من حديث أبي موسى الأشعري، وفي سنده يزيد الرقاشي وهو ضعيف، وأخرجه البغوي في "شرح السنة" (٨٧) وسنده صحيح، رواه أحمد ٤/ ٤٠٨ بسندين صحيحين ولفظ الأول "مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً لبطن" ولفظ الثاني "إن هذا القلب كريشة بفلاة من الأرض تفيئها الريح ظهراً لبطن".