ألوان الثياب، وينسى أن الرفقة قد سارت، فإنه يبقى في البادية فريسة للسباع هو وناقته.
ولا وجه أيضاً للتقصير في تناول الحاجة، لأن الناقة لا تقوى على السير إلا بتناول ما يصلحها، فالطريق السليم هي الوسطى، وهى أن يؤخذ من الدنيا قدر ما يحتاج إليه من الزاد للسلوك، وإن كان مشتهىً، فإن إعطاء النفس ما تشتهيه عون لها وقضاء لحقها.
وقد كان سفيان الثوري يأكل في أوقات من طيب الطعام، ويحمل معه في السفر الفالوذج.
وكان إبراهيم بن أدهم يأكل من الطيبات في بعض الأوقات، فيقول: إذا وجدنا أكلنا أكل الرجال، وإذا فقدنا صبرنا صبر الرجال.
ولينظر في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته، فإنهم ما كان لهم إفراط في تناول الدنيا، ولا تفريط في حقوق النفس.
وينبغى أن يتلمح حظ النفس في المشتهى، فإن كان في حظها حفظها وما يقيمها ويصلحها وينشطها للخير، فلا يمنعها منه، وإن كان حظها مجرد شهوة ليست متعلقة بمصالحها المذكورة فذلك حظ مذموم، والزهد فيه يكون.
[٩ ـ باب في ذم البخل والحرص والطمع وذم المال ومدحه ومدح القناعة والسخاء، ونحو ذلك]
اعلم: أن المال لا يذم لذاته بل يقع الذم لمعنى من الآدمي، وذلك المعنى إما شدة حرصه أو تناوله من غير حلة، أو حبسه عن حقه، أو إخراجه في غير وجهه، أو المفاخرة به، ولهذا قال الله تعالى:{أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}[الأنفال: ٢٨].
وفى "سنن الترمذي" عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم، بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه".
وقد كان السلف يخافون من فتنة المال. وكان عمر رضى الله عنه إذا رأى الفتوح يبكى ويقول: ما حبس الله هذا عن نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وعن أبى بكر لشر أراده