وقال يحيى بن معاذ: الدرهم عقرب، فإن لم تحسن رقيته فلا تأخذه، فإنه إن لدغك قتلك سمه. قيل: ما رقيته؟ قال: أخذه من حله ووضعه في حقه. وقال: مصيبتان للعبد في ماله عند موته لا تسمع الخلائق بمثلهما، قيل: ما هما؟ قال: يؤخذ منه كله، ويسأل عنه كله.
[١٠ ـ بيان في مدح المال]
قد بينا أن المال لا يذم لذاته بل ينبغي أن يمدح، لأنه سبب للتوصل إلى مصالح الدين والدنيا، وقد سماه الله تعالى خيراً، وهو قوام الآدمي. قال الله تعالى في أول سورة النساء: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ (١) أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: ٥].
وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حله، يكف به وجهه عن الناس، ويصل به رحمه، ويعطى منه حقه.
وقال أبو إسحاق السبيعى: كانوا يرون السعة عوناً على الدين.
وقال سفيان: المال في زماننا هذا سلاح المؤمنين.
وحاصل الأمر؛ أن المال مثل حية فيها سم وترياق، فترياقه فوائده، وغوائله سمه، فمن عرف فوائده وغوائله، أمكنه أن يحترز من شره، ويستدر من خيره.
أما فوائده، فتنقسم إلى دنيوية ودينية:
أما الدنيوية، فالخلق يعرفونها، ولذلك تهالكوا في طلبها.
وأما الدينية، فتنحصر في ثلاثة أنواع:
أحدها: أن ينفقه على نفسه، إما في عبادة، كالحج والجهاد، وإما في الاستعانة على العبادة، كالمطعم والملبس والمسكن وغيرها من ضرورات المعيشة، فإن هذه الحاجات إذا لم تتيسر، لم يتفرغ القلب للدين والعبادة، وما لا يتوصل إلى العبادة إلا به، فهو عبادة، فأخذ الكفاية من الدنيا للاستعانة على الدين من الفوائد الدينية، ولا يدخل في هذا التنعم والزيادة على الحاجة، فإن ذلك من حظوظ الدنيا.
(١) السفه: ضد الحلم، وأصله الخفة والحركة، والسفيه: الجاهل، والمراد هنا: الجهالة بموضع النفقة من الرجال والنساء والصبيان.