لا تصدهم عن طريق الله تعالى لقوتهم فيها، ويرفعون أنفسهم عن درجة الأنبياء، لأن الأنبياء عليهم السلام كانوا يبكون على خطيئة واحدة سنين.
وأصناف غرور أهل الإباحة لا تحصى، وكل ذلك أغاليط ووساوس، خدعهم الشيطان بها، لاشتغالهم بالمجاهدة قبل إحكام العلم، من غير اقتداء بشيخ صاحب علم ودين صالح للاقتداء به.
ومنهم فرقة أخرى جاوزوا هذه الطريق، واشتغلوا بالمجاهدة، وابتدؤوا بسلوك الطريق وانفتح لهم باب المعرفة، فلما استنشقوا مبادئ ريح المعرفة، تعجبوا منها وفرحوا بها وأعجبهم غريبها، فتقيدت قلوبهم بالالتفات إليها والتفكر فيها، وكيفية انفتاح بابها عليهم وانسداده عن غيرهم، وكل ذلك غرور، لأن عجائب طريق الله سبحانه وتعالى ليس لها نهاية. ولو وقف مع كل أعجوبة وتقيد بها، قصرت خطاه وجره الوصل إلى القصد، وكان مثاله مثال من قصد ملكاً، فرأى على بابه روضة فيها أزهار لم يكن رأى مثلها، فوقف ينظر إليها حتى فاته الوقت الذي يمكن فيه لقاء الملك.
[الصنف الرابع: أرباب الأموال]
وهم فرق:
ففرقة منهم يحرصون على بناء المساجد والمدارس والرباطات والقناطر وما يظهر للناس ويكتبون أسماءهم عليها ليتخلد ذكرهم، ويبقى بعد الموت أثرهم، ولو كلف أحدهم أن ينفق ديناراً ولا يكتب اسمه في الموضع الذي أنفق عليه لشق عليه، ولولا أنه يريد وجه الناس لا وجه الله، لما شق عليه ذلك، فإن الله يطلع عليه، سواء كتب اسمه أو لم يكتبه.
وبعضهم يصرف المال في زخرفة المساجد، وتزيينه بالنقوش التي هي منهي عنها وشاغلة للمصلين، فإن المقصود من الصلاة الخشوع وحضور القلب، وذلك يفسد قلوب المصلين.
فأما إن كان المال الذي صرفه في ذلك حراماً، كان أشد في الغرور.
قال مالك بن دينار رحمه الله: أتى رجل مسجداً، فوقف على الباب وقال، مثلى لا يدخل بيت الله، فكتب في مكانه صديقاً.
فبهذا ينبغي أن تعظم المساجد، وهو أن يرى تلويث المسجد بدخوله فيه بنفسه