الشيطان بإيراد الخواطر المتفرقة المذهلة عن ذكر الله تعالى، لو خلا عنه لم يخل عن غفلة وقصور في العلم بالله تعالى وصفاته وأفعاله، وكل ذلك نقص، ولا يسلم أحد من هذا النقص، وإنما الخلق يتفاوتون في المقادير، وأما أصل ذلك، فلا بد منه.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"إنه ليغان على قلبي، فأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة". ولذلك أكرمه الله تعالى بقوله:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}[الفتح: ٢] فأما غيره فكيف يكون حاله؟ ومتى اجتمعت شروط التوبة كانت صحيحة مقبولة، قال الله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}[الشورى: ٢٥].
وفى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:"إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر". والأحاديث في ذلك كثيرة.
[١ ـ فصل في بيان أقسام الذنوب]
أعلم: أن للإنسان أخلاقاً وأوصافاً كثيرة، لكن تنحصر مثارات الذنوب في أربع صفات:
أحدها: صفات ربوبية، ومنها يحدث الكبر والفخر، وحب المدح والثناء، والعز وطلب الاستعلاء ونحو ذلك، وهذه ذنوب مهلكات، وبعض الناس يغفل عنها، فلا يعدها ذنوباً.
الثانية: صفات شيطانية، ومنها يتشعب الحسد، والبغي والحيل والخداع والمكر، والغش والنفاق والأمر بالفساد ونحو ذلك.
الثالثة: الصفات البهيمية، ومنها يتشعب الشر والحرص على قضاء شهوة البطن والفرج، فيتشعب من ذلك الزنى واللواطة والسرقة، وأخذ الحطام لأجل الشهوات.
الرابعة: الصفات السبعية، ومنها يتشعب الغضب والحقد، والتهجم على الناس بالقتل والضرب، وأخذ الأموال، وهذه الصفات لها تدرج في الفطرة.
فالصفة البهيمية هي التي تغلب أولاً، ثم تتلوها الصفة السبعية ثانياً، فإذا اجتمعت هاتان، استعملتا العقل في الصفات الشيطانية، من المكر والخداع والحيل، ثم تغلب الصفات الربوبية.