أحمد بن قدامة من هذا الحادث، فأرسل رسلاً من جماعته يفتشون على محل هواؤه صحي، فدلهم أحد جماعته على سفح جبل قاسيون وذهبوا إليها فوجدوا موقعها حسناً. فذهبوا إلى الصالحية وبنوا المدرسة العمرية، وغربها بنوا داراً فسيحة تحيط بها غرف من جميع جهاتها دعيت تلك الدار "بدير الحنابلة" وكان هذان البناءان على ضفة نهر يزيد. وكان الناس يبرونهم ويهدونهم الطعام والملابس ويدعونهم بالصالحين فسموا بالصالحين وسمي لحف جبل قاسيون بالصالحية من ذلك الوقت. وأنشأ الناس فيها دوراً، فأصبحت بعد ذلك بليدة زاهرة جديدة.
وأنجب الشيخ أحمد بن قدامة ولدين نجيبين أحدهما الشيخ أبو عمر والآخر موفق الدين.
أما أبو عمر واسمه محمد فتولى شؤونهم الإدارية، وأنشأ الدير الحنبلي والمدرسة العمرية، ولد بجماعيل (٥٢٨) هـ وتوفي بدمشق سنة (٦٠٨) ودفن بالصالحية.
أما موفق الدين، فاسمه عبد الله وهو الأخ الأصغر ولد سنة (٥٤١) بجماعيل وهاجر مع أبيه إلى دمشق، وسكن داراً قرب الجامع الأموي، ويقيم بهذا الجامع في قاعة الحنابلة قرب محرابهم، وهو مؤلف كتاب "المغني" الشهير بالفقه الحنبلي وغيره كثيراً من المؤلفات، وتوفي بدمشق سنة (٦٢٠) ودفن في الصالحية قرب مقبرة أهله وله أولاد وبنات ماتوا في حياته وانقطع عقبه.
وما خرج من العلماء من بني قدامة منهم من سلالة الشيخ أبي عمر.
مختصِر هذا الكتاب:
ورد في أول هذا الكتاب من نسخة (أ) بأن مؤلفه نجم الدين أبو العباس أحمد ابن عز الدين أبي عبد الله محمد بن شمس الدين أبي محمد عبد الرحمن بن شيخ الإسلام أبي عمر، وهذا ما يجعل هذه النسبة مشكوكاً فيها، فنجم الدين أبو العباس أحمد يعرف بابن شيخ خطيب الجبل -أي جبل الصالحية- وأبوه قاضي القضاة شيخ الجبل عبد الرحمن، وهو ابن شيخ الإسلام أبي عمر الذي بنى وأنشأ مدرسة العمرية في الصالحية ذات المكتبة القيمة الشهيرة، ولذلك ظهر لنا أن ما ورد في أول الكتاب من أن أباه عز الدين أبي عبد الله محمد هو خطأ، وأنه يجب حذفها لأن نجم الدين أبا العباس أحمد هو ابن قاضي القضاة عبد الرحمن بن أبي عمر، وهذا ما جعل التباساً لدى بعض