فأما العاصي المغرور المتمني على الله مع الإعراض عن العبادة، فلا ينبغي أن يستعمل في حقه إلا أدوية الخوف، فإن أدوية الرجاء تقلب في حقه سموماً، كما أن العسل شفاء لمن غلبت عليه البرودة، مضر لمن غلبت عليه الحرارة.
ولهذا يجب أن يكون واعظ الناس متلطفاً، ناظراً إلى مواضع العلل، معالجاً كل علة بما يليق بها، وهذا الزمان لا ينبغي أن يستعمل فيه مع الخلق أسباب الرجاء، بل المبالغة في التخويف، وإنما يذكر الواعظ فضيلة أسباب الرجاء إذا كان مقصوده استمالة القلوب إليه، لإصلاح المرضى.
وقد قال على رضى الله عنه: إنما العالم الذي لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يؤمنهم مكر الله.
إذا عرفت هذا، فاعلم أن من أسباب الرجاء، ما هو من طريق الاعتبار، ومنها ما هو من طريق الأخبار. أما الاعتبار، فهو أن يتأمل جميع ما ذكرناه من أصناف النعم في كتاب الشكر، فإذا علم لطائف الله تعالى بعباده في الدنيا، وعجائب حكمته التي راعاها في فطرة الإنسان، وأن لطفه الإلهي لم يقصر عن عباده في دقائق مصالحهم في الدنيا، ولم يرض أن تفوتهم الزيادات في الرتبة، فكيف يرضى سياقتهم إلى الهلاك المؤبد؟! فإن من لطف في الدنيا يلطف في الآخرة، لأن مدبر الدارين واحد.
وأما استقراء الآيات والأخبار، فمن ذلك قوله سبحانه وتعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزمر: ٥٣]. وقال تعالى:{وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ}[الشورى: ٤].
وأخبر تعالى أنه أعد النار لأعدائه، وإنما خوف بها أولياءه، فقال:{لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ}[الزمر: ١٦]. وقال تعالى:{وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}[آل عمران: ١٣١]. وقال: