للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه كانت سير العلماء وعاداتهم في الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، وقلة مبالاتهم بسطوات السلاطين إيثاراً لإقامة حق الله تعالى على تقاتهم (١)، إلا أن السلاطين كانوا يعرفون حق العلم وفضله فيصبرون على مضض مواعظ هؤلاء.

والذى أراه الآن الهرب من السلاطين، فهو الأولى، فإن قدر لقاء، أقتنع بلطف الموعظة حسب.

ولذلك سببان:

أحدهما: يتعلق بالواعظ، وهو سوء قصده وميله إلى الدنيا والرياء، فلا يخلص له وعظه.

والثانى: يتعلق بالموعوظ، فإن حب الدنيا قد شغل الأكثرين عن ذكر الآخرة، وتعظيمهم الدنيا أنساهم تعظيم العلماء، وليس لمؤمن أن يذل نفسه.

...

آخر كتاب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وذكر المصنف قبل ذلك كتاباً في السماع والوجد، فلنذكر شيئاً منه ها هنا مختصراً.

[فصل في حكم السماع]

اعلم: أن السماع الذي نعنى به الغناء من أكبر ما تطرق به إبليس إلى فساد القلوب، وغر به خلقاً لا يحصون من العلماء والزهاد، فضلاً عن العوام، حتى ادعوا حضور القلب مع الله عند سماع الأغانى المطربة، وظنوا أن ما أوجبه السماع من طرب القلوب وانزعاجها، وجد يتعلق بالآخرة.

وإذا أردت أن تعرف الحق، فانظر في القرن الأول، هل فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً من ذلك أو أصحابه، ثم انظر إلى أقوال التابعين وتابعيهم، وفقهاء الأمة، كمالك، وأبى حنيفة، والشافعى، وأحمد رحمهم الله، فكل القوم ذموا الغناء، حتى قال مالك: إذا اشترى جارية، فوجدها مغنية، كان له ردها، وسئل عن الغناء، قال: إنما يفعله الفساق.


(١) كذا في الأصلين، ولعل الصواب: على أنفسهم أو حياتهم.

<<  <   >  >>