للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البلاء، ودرك الشفاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء".

وقال مطرف: لأن أعافى فأشكر، أحب إليَّ من أن ابتلى فأصبر.

[١٢ ـ فصل في بيان أيهما أفضل الصبر أم الشكر]

واختلف الناس: هل الصبر أفضل من الشكر، أو بالعكس؟ وفى ذلك كلام طويل، ذكره المصنف رحمه الله، وتلخيص القول فيه: أن لكل واحد من الصبر والشكر درجات.

فأقل درجات الصبر، ترك الشكوى مع الكراهة، ووراءها المرضى، وهو مقام وراء الصبر، ووراء ذلك الشكر على البلاء وهو وراء الرضى.

ودرجات الشكر كثيرة، فإن حياء العبد مع تتابع نعم الله عليه شكر، ومعرفته بالصبر عن الشكر شكر، والمعرفة بعظيم حلم الله وستره شكر، والاعتراف بأن النعم ابتداء من الله بغير استحقاق شكر، والعلم بأن الشكر نعمة من نعم الله شكر، وحسن التواضع في النعم والتذلل فيها شكر، وشكر الوسائط شكر، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا يشكر الله من لا يشكر الناس" وقلة الاعتراض وحسن الأدب بين يدي المنعم شكر، وتلقى النعم بحسن القبول واستعظام صغيرها شكر، فما يندرج من الأعمال والأقوال تحت اسم الشكر والصبر لا ينحصر، وهى درجات مختلفة، فكيف يمكن إجمال القول بتفضيل أحدهما على الآخر؟

لكن نقول: إذا أضيف إلى الشكر الذي هو صرف المال إلى الطاعة، فالشكر أفضل، لأنه تضمن الصبر أيضاً، وفيه فرح بنعمة الله عز وجل، وفيه احتمال ألم في صرفه إلى الفقراء، وترك صرفه إلى التنعيم المباح، فهو أفضل من الصبر بهذا الاعتبار.

وأما إذا كان شكر المال ألا يستعين به على معصية، بل يصرفه إلى التنعيم المباح، فالصبر هنا أفضل من الشكر، والفقير الصابر أفضل من الممسك ماله الصارف له في المباحات، لأن الفقير قد جاهد نفسه وأحسن الصبر على بلاء الله تعالى، وجميع ما ورد من تفضيل أجزاء الصبر على الشكر، إنما أريد به هذه الرتبة على الخصوص، لأن

<<  <   >  >>