قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ}[البقرة: ٢١٨].
المعنى: أولئك الذين يستحقون أن يرجوا، ولم يرد به تخصيص وجود الرجاء، لأن غيرهم أيضاً قد يرجو ذلك.
واعلم: أن الرجاء محمود، لأنه باعث على العمل، واليأس مذموم، لأنه صارف عن العمل، إذ من عرف أن الأرض سبخة، وأن الماء مغور، وأن البذر لا ينبت، ترك تفقد الأرض، ولم يتعب في تعاهدها.
وأما الخوف، فليس بضد الرجاء، بل رفيق له، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وحال الرجاء يورث طريق المجاهدة بالأعمال، والمواظبة على الطاعات كيفما تقلبت الأحوال، ومن آثاره التلذذ بدوام الإقبال على الله عز وجل، والتنعم بمناجاته، والتلطف في التملق له، فإن هذه الأحوال لابد أن تظهر على كل من يرجو ملكاً من الملوك، أو شخصاً من الأشخاص، فكيف لا يظهر ذلك في حق الله سبحانه وتعال؟ فمتى لم يظهر، استدل به على حرمان مقام الرجاء، فمن رجا أن يكون مراداً بالخير من غير هذه العلامات، فهو مغرور.
[١ ـ فصل في فضيلة الرجاء]
روى في "الصحيحين" من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:"قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدى بي" وفى رواية أخرى "فليظن بى ما شاء".
وفى حديث آخر من رواية مسلم: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله".
وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: أحبنى، وأحب من يحبنى، وحببنى إلى خلقي. قال: يارب: كيف أحببك إلى خلقك؟ قال: اذكرني بالحسن الجميل، واذكر آلائي وإحساني.
وعن مجاهد رحمه الله قال: يؤمر بالعبد يوم القيامة إلى النار، فيقول: ما كان هذا ظني فيقول: ما كان ظنك؟ فيقول: أن تغفر لى، فيقول: خلو سبيله.