[١ ـ فصل في بيان الصفات المشروطة فيمن تختار صحبته]
روينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:"المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".
وأعلم: أنه لا يصلح للصحبة كل أحد، ولابد أن يتميز المصحوب بصفات وخصال يرغب بسببها في صحبته، وتشترط تلك الخصال بحسب الفوائد المطلوبة من الصحبة، وهي إما دنيوية كالانتفاع بالمال والجاه، أو بمجرد الاستئناس بالمشاهدة والمحاورة، وليس ذلك غرضنا، وأما دينية، وتجتمع فيها أغراض مختلفة، منها الاستفادة بالعلم والعمل، ومنها الاستفادة من المال للاكتفاء به عن تضييع الأوقات في طلب القوت، ومنها الاستعانة في المهمات، فتكون عدة في المصائب وقوة في الأحوال، ومنها انتظار الشفاعة في الآخرة، كما قال بعض السلف: استكثروا من الإخوان، فإن لكل مؤمن شفاعة. فهذه فوائد تستدعى كل فائدة شروطاً لا تحصل إلا بها.
وفى جملة، فينبغى أن يكون فيمن تؤثر صحبته خمس خصال:
أن يكون عاقلاً حسن الخلق غير فاسق ولا مبتدع ولا حريص على الدنيا.
أما العقل، فهو رأس المال، ولا خير في صحبة الأحمق، لأنه يريد أن ينفعك فيضرك، ونعنى بالعاقل الذي يفهم الأمور على ما هى عليه، إما بنفسه، وإما أن يكون بحيث إذا أفهم فهم.
وأما حسن الخلق، فلابد منه، إذ رب عاقل يغلبه غضب أو شهوة فيطيع هواه فلا خير في صحبته.
وأما الفاسق، فإنه لا يخاف الله، ومن لا يخاف الله تعالى لا يؤمن غائلته ولا يوثق به.
وأما المبتدع فيخاف من صحبته بسراية بدعته.
قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم، فإنهم زينة في الرخاء وعدة في البلاء، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك ما يقليك منه، واعتزال عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من يخشى