فأما ترك الطاعات خوفاً من الرياء، فإن كان الباعث له على الطاعة غير الدين، فهذا ينبغي أن يترك، لأنه معصية لا طاعة فيه.
وإن كان الباعث على ذلك الدين، وكان ذلك لأجل الله تعالى خالصاً، فلا ينبغي أن يترك العمل، لأن الباعث الدين.
وكذلك إذا ترك العمل خوفاً من أن يقال: إنه مراءٍ، فلا ينبغي ذلك، لأنه من مكائد الشيطان.
قال إبراهيم النخعي: إذا أتاك الشيطان وأنت في الصلاة فقال: إنك مراءٍ، فزدها طولاً.
وأما ما روي عن بعض السلف أنه ترك العبادة خوفاً من الرياء، كما روي عن إبراهيم النخعي أن إنساناً دخل عليه وهو يقرأ في المصحف، فأطبق المصحف وترك القراءة، وقال: لا يراني هذا أني أقرأ كل ساعة، فيحمل هذا علي أنهم أحسوا من نفوسهم بنوع تزين فقطعوا.
[٧ ـ فصل في بيان ما يصح من نشاط العبد بسبب رؤية الخلق وما لا يصح]
قد يبيت الرجل مع المتهجدين، فيصلون أكثر الليل، وعادته قيام ساعة، فيوافقهم، أو يصومون فيصوم، ولولاهم ما انبعث هذا النشاط.
فربما ظن ظان أن هذا رياء، وليس كذلك على الإطلاق، بل فيه تفصيل، وهو أن كل مؤمن يرغب في عبادة الله تعالى، ولكن تعوقه العوائق، فإن الإنسان إذا كان في منزله تمكن من النوم على فراش وطيء وتمتع بزوجته، فإذا بات في مكان غريب، اندفعت هذه الشواغل، وحصلت له أسباب تبعث على الخير، منها مشاهدة العابدين.
وقد يعسر عليه الصوم في منزله لكثرة المطاعم، بخلاف غيره، ففي مثل هذه الأحوال ينتدب الشيطان للصد عن الطاعة، ويقول: إذا عملت غير عادتك كنت مرائياً فلا ينبغي أن يلتفت إليه، وإنما ينبغي أن ينظر إلى قصده الباطن، ولا يلتفت إلى وسواس الشيطان.