للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليهم حتى تشبثوا به، فهلكوا وهلك معهم.

فأما من قوي وتم إخلاصه، وصغر الناس في عينه، واستوى عنده مدحهم وذمهم، فلا بأس بالإظهار له، لأن الترغيب في الخير خير.

وقد روي ذلك عن جماعة من السلف أنهم كانوا يظهرون شيئاً من أحوالهم الشريفة ليقتدي بهم، كما قال بعضهم لأهله حين احتضر: لا تبكوا علي، فإني ما لفظت بخطيئة منذ أسلمت.

وقال أبو بكر بن عياش رحمه الله لابنه: إياك أن تعصي الله تعالى في هذه الغرفة، فإني ختمت فيها اثني عشر ألف ختمة.

ونحو ذلك كثير من كلامهم، والله أعلم.

وأما الرخصة في كتمان الذنوب، فربما ظن ظان أن كتمان الخطايا رياء، وليس كذلك فإن الصادق الذي لا يرائي إذا وقعت منه معصية، كان له سترها، لأن الله يكره ظهور المعاصي ويحب سترها.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من ارتكب شيئاً من هذه القاذورات، فليستتر بستر الله عز وجل" (١).

فهذا وإن عصى بالذنب، لم يخل قلبه عن محبة ما أحبه الله عز وجل، وهذا ينشأ عن قوة الإيمان.

وينبغي أن يكره ظهور الذنب من غيره أيضاً، فهذا أثر الصدق فيه.

ومن ذلك أن يكره ذم الناس له، من حيث إن ذلك يشغل قلبه وعقله عن طاعة الله تعالى، فإن الطبع يتأذى بالذم، وبهذه العلة أيضاً ينبغي أن يكره المدح إذا كان يشغله عن الله تعالى، ويستغرق قلبه، ويصرفه عن الذكر، فإن هذا أيضاً من قوة الإيمان.


(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ٤/ ٣٨٣ من حديث ابن عمر مرفوعاً بلفظ "اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألم بشيء منها، فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله، فإنه من يبدلنا صفحته، نقم عليه كتاب الله تعالى" واسناده صحيح، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

<<  <   >  >>