الناس العصر، فقال: إنما خرجت إلى حائطي، ورجعت وقد صلى الناس العصر، حائطي صدقة على المساكين. قال الليث: إنما فاتته الجماعة، وروينا عنه أنه شغله أمر عن المغرب حتى طلع نجمان، فلما صلاها أعتق رقبتين.
وحكى أن تميم الداري رضى الله عنه نام ليلة لم يقم يتهجد فيها حتى أصبح، فقام سنة لم ينم فيها عقوبة للذي صنع.
ومرَّ حسان بن سنان بغرفة فقال: متى بنيت هذه؟ ثم أقبل على نفسه فقال: تسألين عما لا يعنيك! لأعاقبنك بصوم سنة، فصامها.
فأما العقوبات بغير ذلك مما لا يحل، فيحرم عليه فعله، مثال ذلك: ما حكى أن رجلاً من بنى إسرائيل، وضع يده على فخذ امرأة، فوضعها في النار حتى شلت، وأن آخر حوّل رجله لينزل إلى امرأة، ففكر وقال: ماذا أردت أن أصنع؟ فلما أراد أن يعيد رجله قال: هيهات رجل خرجت إلى معصية الله لا ترجع معى، فتركها حتى تقطعت بالمطر والرياح، وأن آخر نظر إلى امرأة فقلع عينيه، فهذا كله محرم، وإنما كان جائزاً في شريعتهم، وقد سلك نحو ذلك خلق من أهل ملتنا، حملهم على ذلك الجهل بالعلم، كما حكى عن غزوان الزاهد: أنه نظر إلى امرأة، فلطم عينه حتى نفرت.
وروينا عن بعضهم: أنه أصابته جنابة وكان البرد شديداً، وأنه وجد في نفسه توقفاً عن الغسل، فآلي ألا يغتسل إلا في مرقعته، ألا ينزعها ولا يعصرها، فكانت شديدة الكثافة تزيد على عشرين رطلاً. وقد ذكرت كثيراً من هذا الفن الصادر عن المتعبدين على الجهل في كتابي المسمى بـ "تلبيس إبليس"
[المقام الخامس: المجاهدة]
وهو أنه إذا حاسب نفسه، فينبغي إذا رآها قد قارفت معصية أن يعاقبها كما سبق، فإن رآها تتوانى بحكم الكسل بى شئ من الفضائل، أو ورد من الأوراد، فينبغي أن يؤدبها بتثقيل الأوراد عليها، كما ورد عن ابن عمر رضى الله عنه أنه فاتته صلاة في جماعة، فأحيا الليل كله تلك الليلة، وإذا لم تطاوعه نفسه على الأوراد، فإنه يجاهدها ويكرهها ما استطاع.
وقال ابن المبارك: إن الصالحين كانت أنفسهم تواتيهم على الخير عفواً، وإن