فإذا استعذت، فاعلم أن الاستعاذة هي لجأ إلى لله سبحانه، فإذا لم تلجأ بقلبك كان كلامك لغواً، وتفهم معنى ما تتلو، وأحضر التفهم بقلبك عند قولك:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، واستحضر لطفه عند قولك:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وعظمته عند قولك:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} , وكذلك فى جميع ما تتلو.
وقد روينا عن زرارة بن أبى أوفى رضى الله عنه أنه قرأ فى صلاته:{فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ}[المدثر: ٨] فخر ميتاً، وما ذاك إلا لأنه صور تلك الحال فأثرت عنده التلف.
واستشعر فى ركوعك التواضع، وفى سجودك الذل، لأنك وضعت النفس موضعها، ورددت الفرع إلى أصله بالسجود على التراب الذى خلقت منه وتفهم منه معنى الأذكار بالذوق.
واعلم: أن أداء الصلاة بهذه الشروط الباطنة سبب لجلاء القلب من الصدأ، وحصول الأنوار فيه التي بها تتلمح عظمى المعبود، وتطلع على أسراره وما يعقلها إلا العالمون.
فأما من هو قائم بصورة الصلاة دون معانيها، فانه لا يطلع على شئ من ذلك بل ينكر وجوده.
[٢ ـ فصل في آداب تتعلق بصلاة الجمعة ويوم الجمعة]
وهى نحو من خمسة عشر:
أحدها: أن يستعد لها من يوم الخميس وفى ليلة الجمعة، بالتنظيف، وغسل الثياب، وإعداد ما يصلح لها.
الثاني: الاغتسال فى يومها، كما فى الأحاديث فى "الصحيحين" وغيرهما. والأفضل فى الاغتسال أن يكون قبيل الرواح إليها.
الثالث: التزين بتنظيف البدن، وقص الأظفار، والسواك، وغير ذلك مما تقدم من إزالة الفضلات، ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه.
الرابع: التبكير إليها ماشياً.
وينبغى للساعى إلى الجامع أن يمشى بسكون وخشوع، وينوى الاعتكاف في