للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البشر الاطلاع عليها، وكذلك يجوز العفو عن المعاصي وإن كثرت سيئاته، والغضب على المطيع وإن كثرت طاعاته الظاهرة، فإن الاعتماد على التقوى، والتقوى في القلب، وأحوال القلب قد تخفى على صاحبه، فكيف على غيره؟

وأما الناجون، ونعنى بالنجاة السلامة فقط دون السعادة والفوز، وهم قوم لم يخدموا فيخلع عليهم، ولم يقصروا فيعذبوا، ويشبه أن يكون هذا حال المجانين، وأولاد الكفار، والذين لم تبلغهم الدعوة، فلم يكن لهم معرفة، ولا جحود، ولا طاعة ولا معصية، ويصلح أن يكونوا على الأعراف.

وأما الفائزون، فهم العارفون، وهم المقربون والسابقون، وهؤلاء الذين لم تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين، وليس حرصهم على الجنة، بل على لقاء الله سبحانه وتعالى والنظر إليه.

ومثالهم مثال المحب، فإنه في تلك الحال غافل عن نفسه، لا يحس بما يصيبه في بدنه، ولا همَّ له سوى محبوبه، فهؤلاء الواصلون إلى قرة أعين، ولا تخطر على قلب بشر، فهذا القدر كافي بيان توزيع الدرجات على الحسنات.

[٣ ـ فصل في بيان ما تعظم به الصغائر من الذنوب]

اعلم: أن الصغيرة تكبر بأسباب: منها الإصرار والمواظبة.

وفى الحديث من رواية ابن عباس رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار" (١).

واعلم: أن العفو عن كبيرة قد انقضت ولم يتبعها مثلها، أرجى من العفو عن صغيرة يواظب عليها العبد.

ومثال ذلك قطرات من الماء تقع على حجر متواليات، فإنها تؤثر فيه، ولو جمعت تلك القطرات في مرة وصبت عليه لم تؤثر، ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم "أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل".


(١) رواه أبو الشيخ ومن طريقه الديلمي في "مسند الفردوس" من حديث سعيد بن سليمان سعدويه، عن أبي شيبة الخراساني، عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس .. وأبو شيبة الخراساني قال البخاري: لا يتابع على حديثه، وقال الذهبي في "الميزان": أتى بخبر منكر رواه عنه سعدويه، فذكره وقد ذكره ابن المنذر في تفسيره من قول ابن عباس.

<<  <   >  >>