الحساب، ثم يعفو، وقد يضرب بالسياط أو يعذب بغيرها من أنواع العذاب.
وتفاوت منازل أهل السعادة على نحو ذلك في النعيم، فهذه الأمور الكلية معلومة بالنقل ونور المعرفة.
فأما من جهة التفصيل، فنقول: كل من أحكم أصل الإيمان، واجتنب جميع الكبائر، أحسن جميع الفرائض ولم يكن منه إلا صغائر متفرقة لا يصر عليها، فيشبه أن يعفى عنه، فقد نص القرآن على اجتناب الكبائر مكفر للصغائر.
وهذا إما أن يلتحق بالمقربين، أو أصحاب اليمين، وذلك بحسب إيمانه، ويقينه، فإن قل أو ضعف، دنت منزلته، وإن كثر وقوى، علت منزلته.
ثم إن المقربين يتفاوتون بحسب تفاوت معرفتهم بالله تعالى، ودرجات العارفين في المعرفة لا تنحصر، لأن بحر المعرفة لا ساحل له، وإنما يغوص فيه الغواصون بقدر قواهم، فأعلى درجات أصحاب اليمين، أدنى درجات المقربين، هذا حال من اجتنب الكبائر وأدى الفرائض.
فأما من ارتكب، أو أهمل أركان الإسلام، فإنه إن تاب توبة نصوحاً قبل قرب الأجل، التحق بمن لم يرتكب، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والثوب المغسول كالذي لم يتسخ أصلاً.
فأما إن مات قبل التوبة، فأمره خطر، إذ ربما يكون موته على الإصرار سبباً لتزلزل إيمانه، فيختم له بسوء الخاتمة، لا سيما إذا كان إيمانه تقليداً فإنه قابل للانحلال بأدنى شك وخيال، والعارف الموقن أبعد من أن يخاف عليه سوء الخاتمة. ثم إن عذاب الميت عن غير توبة يكون بحسب قبح الكبائر ومدة الإصرار. ثم ينزل البله المقلدون الجنة، وينزل العارفون المستبصرون أعلى عليين، وما ذكرناه من مراتب العباد في المعاد حكم ظاهر الأسباب، يضاهى حكم الطبيب على مريض بأنه يموت لا محالة، ولا يقبل إصلاح العلاج، وعلى مريض آخر بأن عارضه خفيف، وعلاجه هيَّن، فإن ذلك ظن يصيب غالباً، وقد تثوب إلى الهلاك نفسه من حيث لا يشعر الطبيب، وقد يساق إلى ذي العارض الخفيف أجله من حيث لا يطلع عليه، وذلك لأسرار الله تعالى الخفية، وفى أرواح الأحياء غموض للأسباب التي رتبها المسبب، وليس في قوة البشر الوقوف على كنهها، وكذلك الفوز والهلاك في الآخرة لهما أسباب خفية ليس في قوة