وكل فريق من الناس يغلب عليهم نوع من هذه الأمور، فينبغي أن يكون تفقدهم لها وتفكيرهم فيها. مثاله العالم الورع فإنه لا يخلو في غالب الأمر من إظهار نفسه بالعلم، وطلب الشهرة، وانتشار الصيت، إما بالتدريس، أو بالوعظ. ومن فعل ذلك، فقد تصدى لفتنة عظيمة لا ينجو منها إلا الصديقون. وربما ينتهي العلم بأهل العلم إلى أن يتغايروا كما يتغاير النساء وكل ذلك من رسوخ الصفات المهلكات في سر القلب التي يظن العالم النجاة منها، وهو مغرور فيها.
ومن أحس من نفسه هذه الصفات، فالواجب عليه الانفراد والعزلة، وطلب الخمول والمدافعة للفتاوى، فقد كان الصحابة يتدافعون الفتاوى، وكل منهم يود لو أن أخاه كفاه. وعند هذا ينبغي أن يتقى شياطين الإنس، فإنهم قد يقولون: هذا سبب لاندراس العلم، فليقل لهم: دين الإسلام مستغن عنى، ولو مت لم ينهدم الإسلام، وأنا غير مستغن عن إصلاح قلبى، فليكن فكر العالم في التفطن لخفايا هذه الصفات من قلبه، نسأل الله أن يصلح فساد قلوبنا وأن يوفقنا لما يرضاه عنا.
[١٨ ـ فصل [في أن التفكر في ذات الله ممنوع منه]]
قد تقدم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:"تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله" فالتفكر في ذاته سبحانه ممنوع منه، وذلك أن العقول تتحير في ذلك، فإنه أعظم من أن تمثله العقول بالتفكير، أو تتوهمه القلوب بالتصوير:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى: ١١].
فأما التفكر في مخلوقات الله تعالى، فقد ورد القرآن بالحث على ذلك كقوله تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} ... الآيات [آل عمران: ١٩٠]. وقوله {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[يونس: ١٠١].
ومن آيات الله تعالى الإنسان المخلوق من نطفة، فيتفكر الإنسان في نفسه، فإن في خلقة من العجائب الدالة على عظمة الله تعالى بالتدبر في نفسه، فقال:{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}[الذاريات: ٢١]. وقد تقدم في كتاب الشكر الكلام على