للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل يقول: أنا مستغن بما أملكه، وإنما النفس تطالبني، فيخرج بهذا عن حد الشكوى لله تعالى.

وينبغى أن يسأل أباه أو قريبه أو صديقه الذي لا ينقص بذلك في عينه، أو السخي الذي أعد ماله للمكارم، فيخرج بذلك من الذل.

وإن أخذ ممن يعلم أنه إنما أعطاه حياءً، لم يجز له الأخذ، ويجب رده إلى صاحبه.

ولا يجوز للفقير أن يسأل إلا مقدار ما يحتاج إليه، من بيت يكنه، وثوب يستره، وطعام يقيمه.

ويراعى في هذه الأشياء ما يدفع الزمان من غير تنوق (١) في شئ من ذلك، فإن كان يعلم أنه يجد من يسأله كل يوم، لم يجز أن يسأل أكثر من قوت يومه وليلته، وإن خاف أن لا يجد من يعطيه، أو خاف أن يعجز عن السؤال، أبيح له السؤال أكثر من ذلك.

ولا يجوز له في الجملة أن يسأل فوق ما يكفيه لسنته، وعلى هذا يتنزل الحديث المروى في تقدير الغنى بخمسين درهماً، فإنها تكفى المنفرد المقتصد لسنة، فأما ذو العائلة فلا.

[٥ ـ بيان أحوال السائلين]

كان بشر الحافي يقول: الفقراء ثلاثة: فقير لا يسأل، وإن أعطى لا يأخذ، فهذا من الروحانيين.

وفقير لا يسأل، إن أعطى أخذ، فذاك من أهل حظيرة القدس.

وفقير إذا احتاج سأل، فكفارة مسألته صدقه في السؤال.

قال الشيخ جمال الدين رحمه الله: قلت: وفصل الخطاب أنه متى قدر الفقير على دفع الزمان من غير سؤال، لم يجز له أن يسأل، فإن كان يندفع على مضض، نظرت، فإن كان مثله لا يحتمل، ولا يخاف منه التلف، فالسؤال مباح وتركه فضيلة، وإن كان


(١) التنوق في الأمر: التأنق فيه.

<<  <   >  >>