عليك قبل أن أخلق الدنيا، أفتريد أن أعيد خلق الدنيا من أجلك؟ أم تريد أن أبدل ما قدرت لك؟ فيكون ما تحب فوق ما أحب، ويكون ما تريد فوق ما أريد، وعزتي وجلالى، لئن تلجلج هذا في صدرك مرة أخرى لأمحونك من ديوان النبوة.
وفي "زبور داود" عليه السلام: هل تدرى من أسرع الناس مراً على الصراط؟ الذين يرضون بحكمي وألسنتهم رطبة من ذكرى.
وقال داود عليه السلام: يارب! أي عبادك أبغض إليك؟ قال: عبد استخارتي في أمر، فخرجت له، فلم يرض.
وقال عمر بن العزيز: ما بقى لى سرور إلا في مواقع القدر.
وقيل له: ما تشتهى؟ فقال: ما يقضى الله عز وجل.
وقال الحسن: من رضى بما قسم له، وسعه، وبارك الله فيه، ومن لم يرض لم يسعه، ولم يبارك له فيه.
وقال عبد الواحد بن زيد: الرضى باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العابدين.
وقال بعضهم: لن يرد الآخرة أرفع درجات من الراضين عن الله تعالى على كل حال، فمن وهب له الرضى، فقد بلغ أفضل الدرجات.
وأصبح أعرابي وقد مات له أباعر كثيرة، فقال:
لا والذي أنا عبد في عبادته ... لولا شماتة أعداء ذوى إحن
ما سرني أن إبلي في مباركها ... وأن شيئاً قضاه الله لم يكن
[٦ ـ فصل [يتصور الرضى فيما يخالف الهوى]]
ويتصور الرضى فيما يخالف الهوى. وبيان ذلك إذا جرى على الإنسان الألم، فتارة يحس به ويدرك ألمه، ولكنه يكون راضياً به، راغباً في زيادته بعقله، وإن كان كارها له بطبعه لما يوصله من الثواب. مثاله أن يلتمس من الحجام الحجامة والفصد، فإنه يدرك ألم ذلك، إلا أنه راض به، وراغب فيه ومتقلد منه الحجام.