ولذلك شبه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حب المال والشرف وإفسادهما للدين بذئبين ضاريين أرسلا في غنم.
فحب الجاه إذاً من المهلكات، يجب علاجه وعلاجه مركب من علم وعمل، أما الأول، فهو أن يعلم أن السبب الذي لأجله أحب الجاه، هو كمال القدوة على أشخاص الناس وقلوبهم، وذلك إذا صفا وسلم يكون في آخره الموت فينبغي أن يتفكر في نفسه في الأخطار والآفات اللاحقة لأصحاب الجاه في الدنيا، من تطرق الحسد إليهم، وقصدهم بالإيذاء، فتراهم خائفين على الدوام من زوال جاههم، محترزين من تغيير منزلتهم في القلوب.
والقلوب أشد تغيراً من القدرة في غليانها، فالاشتغال بمراعاة ذلك غموم عاجلة، مكدرة لحفظ الجاه، فلا يفي مرجو الدنيا بمخوفها، فضلاً عما يفوت في الآخرة، فهذا من حيث العلم.
وأما العلاج من حيث العمل، فهو إسقاط الجاه من قلوب الخلق بأفعال توجب ذلك، كما روى أن بعض الملوك قصد زيارة رجل زاهد، فلما قرب منه، استدعى طعامه وبقلاً ولبناً وجعل يأكل بشره، ويعظم اللقمة فلما نظر إليه الملك سقط من عينه.
ولما أريد إبراهيم النخعى على القضاء لبس قميصاُ أحمر وقعد في السوق.
واعلم: أن انقطاع الزاهد عن الناس يوجب جاهاً له عندهم، فإذا خاف من تلك الفتنة، فليخالطهم على وجه السلامة، وليمش في الأسواق، وليشتر حاجته ويحملها، وليقطع طمعه من دنياهم، وقد تم مراده.
وكان بشر الحافي يجلس إلى عطار، وكانوا يراعون نواميس المتزهدين اليوم.
[٣ ـ فصل [في عدم الاكتراث بذم الناس]]
واعلم: أن أكثر الناس إنما هلكوا لخوف مذمة الناس، وحب مدحهم، فصارت حركاتهم كلها على ما يوافق رضى الناس، رجاء المدح، وخوفاً من الذم، وذلك من المهلكات، فوجبت معالجته.
وطريق ذلك أن ننظر إلى الصفة التي مدحت بها، إن كانت موجودة فيك فلا