وأما الإنسان فإنه يخلق في ابتداء الصبا ناقصاً مثل البهيمة، لم يخلق فيه إلا شهوة الغذاء الذي هو محتاج إليه، ثم تظهر فيه شهوة اللعب والزينة، ثم شهوة النكاح، وليس له قوة الصبر، فإذا تحرك العقل وقوى، ظهرت مبادئ إشراق نور الهداية عند سن التمييز، ولكنها هداية قاصرة لا مرشد لها إلى المصالح الآخرة، فإذا عقد بمعرفة الشرع تلمح ما يتعلق بالآخرة وكثر سلاحه، إلا أن الطبع يقتضي ما يحب، وباعث الشرع والعقل يمنع، والحرب بينهما قائمة، ومعركة هذا القتال قلب العبد، فالصبر عبارة عن ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الشهوات، فإن ثبت حتى قهر الشهوة التحقق بالصابرين، وإن ضعف حتى غلبت الشهوة ولم يصبر على دفعها، التحق بأتباع الشياطين، وإذا ثبت أن الصبر عبارة عن ثبات باعث الدين في مقاومة الهوى، فهذه المقاومة من خاصية الآدميين.
[١ ـ فصل [في أقسام الصبر]]
اعلم أن الصبر على ضربين:
أحدهما: بدني، كتحمل المشاق بالبدن، وكتعاطي الأعمال الشاقة من العبادات أو من غيرها.
الضرب الآخر: هو الصبر النفساني على مشتهيات الطبع ومقتضيات الهوى، وهذا الضرب إن كان صبراً عن شهوة البطن والفرج، سمى عفة، وإن كان الصبر في قتال، سمى شجاعة، وإن كان في كظم غيظ سمى حلماً، وإن كان في نائبة مضجرة، سمى سعة صدر، وإن كان في إخفاء أمر سمى كتمان سر، وإن كان في فضول عيش سمى زهداً، وإن كان صبراً على قدر يسير من الحظوظ سمى قناعة.
وأما المصيبة، فإنه يقتصر فيها على اسم الصبر، فقد بان بما ذكرنا أن أكثر أخلاق الإيمان داخلة في الصبر، وإن اختلفت الأسماء باختلاف المتعلقات.
ثم اعلم أن العبد لا يستغني عن الصبر في كل حال من الأحوال، وذلك أن جميع ما يلقى العبد في الدنيا لا يخلو من نوعين:
النوع الأول:
ما يوافق هواه من الصحة، والسلامة والمال، والجاه، وكثرة العشيرة،