إنكم تقرؤون هذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}[المائدة: ١٠٥]، وإنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:"إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروا أوشك أن يعمهم الله بعذاب".
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:"لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله شراركم على خياركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم".
[٢ ـ فصل في أركانه وشروطه ودرجاته وآدابه ونحو ذلك]
اعلم: أن أركان الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أربعة:
أحدها: أن يكون المنكر مكلفاً مسلماً قادراً، وهذا شرط لوجوب الإنكار.
فإن الصبي المميز، له إنكار المنكر، ويثاب على ذلك، لكن لا يجب عليه.
وأما عدالة المنكر، فاعتبرها قوم وقالوا: ليس للفساق أن يحتسب، وإنما استدلوا بقوله تعالى:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ}[البقرة: ٤٤] وليس لهم في ذلك حجة.
واشترط قوم كون المنكر مأذوناً فيه من جهة الإمام أو الوالي، ولم يجيزوا لآحاد الرعية الحسبة، وهذا فاسد، لأن الآيات والأخبار عامة تدل على أن كل من رأى منكراً فسكت عنه عصى، فالتخصيص بإذن الإمام تحكم.
ومن العجب أن الروافض زادوا على هذا فقالوا: لا يجوز الأمر بالمعروف ما لم يخرج الإمام المعصوم، وهؤلاء أخس رتبة من أن يتكلموا، لكن جوابهم أن يقال لهم إذا جاءوا إلى القاضي طالبين حقوقهم: نصرتكم أمر بالمعروف، واستخراج حقوقكم من يد من ظلمكم نهى عن المنكر، ولم يجئ زمان ذلك لأن الإمام لم يخرج بعد.
فإن قيل: بى الأمر بالمعروف إثبات سلطنة وولاية على المحكوم عليه، ولذلك لم يثبت للكافر على المسلم، مع كونه حقاً، فينبغي أن لا يثبت لآحاد الرعية إلا بتفويض من السلطان.
قلنا: أما الكافر فممنوع من ذلك لما فيه من السلطة والعز، وأما آحاد المسلمين فيستحقون هذا العز بالدين والمعرفة.