يتناول المشتهى من الحلو والعسل وغيرهما، فلا يلتفت إلى زاهد قل علمه، فحرم نفسه حظها من المشتهى على الإطلاق، فإنه إلى الظلم أقرب منه إلى العدل، وإنما يترك المشتهى إذا صعبت الطريق إليه، مثل أن لا يحصل إلا بوجه مكروه، أو يخاف من تناوله انحلال عزمه، فتطمع النفس في استدامته، أو يحذر من ذلك زيادة شبع، فيثقله عن عبادته، فأما تناوله في بعض الأوقات لتقوية النفس، فذلك كالطب للمريض، يمدح ولا يذم، ولا بأس بالرفق بالنفس لتقوى على السلوك.
[٥ ـ بيان علامات حسن الخلق]
ربما جاهد المريد نفسه حتى ترك الفواحش والمعاصي، ثم ظن أنه قد هذب خلقه، واستغنى عن المجاهدة، وليس كذلك، فإن حسن الخلق هو مجموع صفات المؤمنين، وقد وصفهم الله تعالى فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: ٢ - ٤] وقال: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[التوبة: ١١٢] وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} إلى قوله {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ}[المؤمنون: ١ - ١٠]، وقال:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا}[الفرقان: ٦٣] إلى آخر السورة، فمن أشكل عليه حاله فليعرض نفسه على هذه الآيات، فوجود جميع هذه الصفات علامة حسن الخلق، وفقد جميعها علامة سوء الخلق ووجود بعضها دون البعض يدل على البعض دون البعض فليشتغل بحفظ ما وجده وتحصيل ما فقده.
وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المؤمن بصفات كثيرة، وأشار بها إلى محاسن الأخلاق.
ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:"والذي نفسي بيده لا يؤمن عبداً حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
وفيهما أيضا من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه