صلى الله عليه وآله وسلم بالإيثار، فقال:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر: ٨] وكان سبب نزول هذه الآية قصة أبى طلحة، لما آثر ذلك الرجل المجهود بقوته وقوت صبيانه، وحكايته مشهورة.
واستشهد باليرموك عكرمة بن أبى جهل، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، وجماعة من بنى المغيرة، فأتوا بماءٍ وهم صرعى، فتدافعوه حتى ماتوا ولم يذقوه.
أتى عكرمة بالماء فنظر إلى سهيل بن عمرو ينظر إليه، فقال: ابدأ بهذا، ونظر سهيل إلى الحارث ينظر إليه، فقال: ابدأ بهذا، وكل منهم يؤثر الآخر على نفسه بالشربة، فماتوا كلهم قبل أن يشربوا، فمر بهم خالد بن الوليد فقال: بنفسي أنتم.
وأهدى إلى الرجل من الصحابة رضى الله عنه رأس شاة، فقال: إن أخي أحوج إليه منى، فبعث به إلى الرجل، فبعث به ذلك إلى آخر، حتى تداولته سبع أبيات، فرجع إلى الأول.
خرج عبد الله بن جعفر إلى ضيعة له، فنزل على نخل لقوم فيها غلام أسود يعمل فيها، إذ أتى الغلام بقوته، فدخل الحائط كلب، فدنا من الغلام فرمى إليه قرصاُ فأكله، ثم رمى إليه قرصاً آخر فأكله، ثم رمى إليه ثالث فأكله، وعبد الله ينظر فقال: يا غلام! كم قوتك كل يوم؟ قال: ما رأيت، قال: فلم آثرت به هذا الكلب؟ قال: ماهى بأرض كلاب، جاء من مسافة بعيدة جائعاً فكرهت رده، قال: فما أنت صانع؟ قال: أطوي يومي هذا، فقال عبد الله بن جعفر: ألام على السخاء وهذا أسخى منى، فاشترى الحائط وما فيه من الآلات،
واشترى الغلام وأعتقه ووهبه له.
واجتمع جماعة من الفقراء في موضع لهم وبين أيديهم أرغفة معدودة لا تكفيهم فكسروا الرغفان، وأطفؤوا السراج، وجلسوا للأكل، فلما رفع الطعام، إذا هو بحاله، لم يأكل أحد منهم شيئاً إيثاراً لأصحابه.
[١٦ ـ فصل [في حد البخل والسخاء]]
وقد تكلم الناس في حد البخل والسخاء، فذهب قوم إلى أن حد البخل منع الواجب، وأن من أدى ما يجب عليه، فليس ببخيل، وهذا غير كاف، فإن من لم يسلم إلى عياله إلا القدر الذي يفرضه الحاكم، ثم يضايقهم في زيادة لقمة أو ثمرة فإنه