معدود من البخلاء، فالصحيح أن البراءة من البخل تحصل بفعل الواجب في الشرع واللازم بطريق المروءة مع طيب القلب بالبذل.
فأما الواجب بالشرع، فهو الزكاة، ونفقة العيال.
وأما اللازم بطريق المروءة، فهو ترك المضايقة، والاستقصاء عن المحقرات فإن ذلك يستفتح، ويختلف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص، فقد يستقبح من الغنى ما لا يستقبح من الفقير، ويستقبح من الرجل المضايقة لأهله وأقاربه وجيرانه مالا يستقبح من الأجانب، فالبخيل الذي يمنع مالا ينبغي أن يمنع، إما بحكم الشرع أو لازم المروءة. ومن قام بواجب الشرع، ولازم المروءة، فقد تبرأ من البخل، لكن لا يتصف بصفة الجود مالم يبذل زيادة على ذلك.
قال بعضهم: الجواد: هو الذي يعطى بلا من. وقيل: هو الذي يفرح بالإعطاء. فأما علاج البخل، فاعلم أن سبب البخل حب المال.
ولحب المال سببان:
أحدهما: حب الشهوات التي لا وصول إليها إلا بالمال مع طول الأمل، وإن كان قصير الأمل وله ولد، فإنه يقوم مقام طول الأمل.
الثاني: أن يحب عين المال، فمن الناس من معه ما يكفيه لبقية عمره لو اقتصر على ما جرت عادته به، ويفضل معه آلاف، ويكون شيخاً لا ولد له، ثم لا تسمح نفسه بإخراج الواجب عليه، ولا بصدقة تنفعه، ويعلم أنه إذا مات أخذه أعداؤه، أو ضاع إن كان مدفوناً، وهذا مرض لا يرجى علاجه.
ومثال ذلك رجل أحب شخصاً، فلما جاء رسوله، أحب الرسول ونسى محبوبه واشتغل بالرسول، فإن الدنيا رسول مبلغ إلى الحاجات، فيحب الدنانير لذاتها، وينسى الحاجات، وهذا غاية الضلال.
واعلم: أن علاج كل علة بمضادة سببها.
فيعالج حب الشهوات بالقناعة والصبر، وطول الأمل بكثرة ذكر الموت.
ويعالج التفات القلب إلى الولد، بأن من خلقه معه رزقه، وكم ممن لم يرث شيئا أحسن حالاً ممن ورث.