عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدى إلى البر، وإن البر يهدى إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً" رواه البخاري ومسلم.
وقال بشر الحافي: من عامل الله بالصدق، استوحش من الناس.
واعلم أن لفظ الصدق قد يستعمل في معان:
أحدهما: الصدق في القول: فحق على كل عبد أن يحفظ ألفاظه، ولا يتكلم إلا بالصدق، والصدق باللسان هو أشهر أنواع الصدق وأظهرها.
وينبغى أن يحترز عن المعاريض، فإنها تجانس الكذب إلا أن تمس الحاجة إليها، وتقتضيها المصلحة في بعض الأحوال، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد غزوة ورَّى بغيها لئلا ينتهي الخبر إلى الأعداء فيتهيؤوا لقتاله، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:"ليس بكاذب من أصلح بين اثنين فقال خيراً، أو نمى خيراً".
وينبغى أن يراعى معنى الصدق في ألفاظه التي يناجى بها ربه، كقوله: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، فإن كان قلبه منصرفاً عن الله مشغولاً بالدنيا فهو كاذب.
الثاني: الصدق في النية والإرادة، وذلك يرجع إلى الإخلاص، فإن مازج عمله شوب من حظوظ النفس، بطل صدق النية، وصاحبه يجوز أن يكون كاذباً كما في حديث الثلاثة: العالم، والقارئ، والمجاهد. لما قال القارئ: قرأت القرآن إلى آخره، إنما كذبه في إرادته ونيته، لا في نفس القراءة، وكذلك صاحباه.
الثالث: الصدق في العزم والوفاء به.
أما الأول: فنحو أن يقول: إن آتاني الله مالاً تصدقت بجميعه، فهذه العزيمة قد تكن صادقة، وقد يكون فيها تردد.