وأما الطمع فيما في أيدي الناس، فيزيله بأن يعلم أن الله تعالى هو المسخر للقلوب بالمنع والإِعطاء، وأنه لا رازق سواه، ومن طمع في الخلق لم يخل من الذل والخيبة، وإن وصل إلى المراد، لم يخل من المنة والمهانة، فكيف يترك ما عند الله برجاء كاذب ووهم فاسد.
ومن الدواء النافع أن يعود نفسه إخفاء العبادات، وإغلاق الأبواب دونها، كما تغلق الأبواب دون الفواحش، فإنه لا دواء في الرياء مثل إخفاء الأعمال، وذلك يشق في بداية المجاهدة، فإذا صبر عليه مدة بالتكلف، سقط عنه ثقله، وأمده الله بالعون، فعلى العبد المجاهدة، ومن الله التوفيق.
المقام الثاني: في دفع العارض من الرياء أثناء العبادة، وذلك لا بد من تعلمه أيضاً، فإن من جاهد نفسه، وقلع مغارس الرياء من قلبه بالقناعة وإسقاط نفسه من أعين الناس، واحتقار مدحهم وذمهم، فإن الشيطان لا يتركه في أثناء العبادة، بل يعارضه بخطرات الرياء، فإذا خطر له معرفة الخلق بعبادته واطلاعهم عليها، دفع ذلك بأن يقول: مالك وللخلق علموا أو لم يعلموا، والله عالم بحالك، فأي فائدة في علم غيره؟
فإن هاجت الرغبة إلى آفة الحمد، ذكرها آفات الرياء والتعرض للمقت، فيقابل تلك الرغبة بكراهة المقت، فإن معرفة اطلاع الناس تثير شهوة، ومعرفة آفة الرياء تثير كراهة.
[٥ ـ فصل في بيان الرخصة في قصد إظهار الطاعات وبيان الرخصة في كتمان الذنوب، وكراهة اطلاع الناس على الذنب وذمهم له]
أما الأول، فاعلم أن في إسرار الأعمال فائدة لإخلاص والنجاة من الرياء، وفي الإظهار فائدة الاقتداء، وترغيب الناس في الخير.
ومن الأعمال ما لا يمكن الإسرار به كالحج والجهاد.
والمظهر للعمل ينبغي أن يراقب قلبه، حتى لا يكون فيه حب الرياء الخفي، بل ينوي الاقتداء به، ولا ينبغي للضعيف أن يخدع نفسه بذلك، فإن مثال الضعيف مثل الغريق الذي يحسن سباحة ضعيفة، فنظر إلى جماعة من الغرقى فرحمهم، وأقبل