اختياره أن يتعرض لتلك الجذبة، بأن يقلع عن قلبه جواذب الدنيا، فان المجذوب إلى أسفل سافلين، لا يجذب إلى أعلى عليين، وكل منهوم بالدنيا هو منجذب إليها، فقطع العلائق الجاذبة، هو المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم الله عليه وآله وسلم:"إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها"(١).
فالذي علينا تفريغ المحل، والانتظار لنزول الرحمة، كالذي يصلح الأرض وينقيها من الحشيش، ويضع فيها البذر، وكل ذلك لا ينفع إلا بمطر، ولا يدرى متى يقدر الله أسباب المطر، إلا أنه يثق بفضل الله تعالى أنه لا يخلى سنة عن مطر، وكذلك قلما تخلو سنة وشهر ويوم عن جذبة من الجذبات ونفحة من النفحات.
فينبغي أن يكون العبد قد طهر القلب من حشيش الشهوات، وبذر الإرادة والإخلاص، وعرضه لمهاب ريح الرحمة، وكما يقوى انتظار الأمطار في أوقات الربيع عند ظهور الغيم، كذلك انتظار تلك النفحات في الأوقات الشريفة، وعند اجتماع الهم ونشاط القلوب، كيوم عرفة، ويوم الجمعة، وفى رمضان. والهمم والأنفاس أسباب لاستدرار رحمة الله تعالى بحكمته وتقديره.
...
[الشطر الثاني من الكتاب]
٤ ـ في الشكر وفضله وذكر النعم وأقسامها ونحو ذلك
قال الله تعالى:{وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}[آل عمران: ١٤٥] وقال الله تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ}[النساء: ١٤٧] وقال: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[سبأ: ١٣] وقطع بالمزيد مع الشكر فقال: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم: ٧] مع كونه وقف أشياء كثيرة غيره على المشيئة كقوله: {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ}[التوبة: ٢٨] وقوله: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ}[الأنعام: ٤١] وقوله: {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ}[البقرة: ٢١٢]{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨]، {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ}[التوبة: ١٥].
(١) أخرجه الطبراني من حديث محمد بن مسلمة، وفيه من لا يعرف.