فواجب على كل عبد محب لله أن يبغض من أبغضه الله عز وجل، ويعادى من عاداه وأبعده عن حضرته، وإن اضطره بقهره وقدرته إلى معاداته ومخالفته، فإنه بعيد مطرود، والمبعد عن درجات القرب ينبغي أن يكون بغيضاً إلى جميع المحبين، موافقة لمحبوبهم، بإظهار الغضب على من أظهر المحبوب الغضب عليه بإبعاده.
وبهذا يتقرر جميع ما وردت به الأخبار من البغض في الله والحب في الله، والتشديد على الكفار والتغليظ عليهم، والمبالغة في مقتهم، مع الرضى بقضاء الله تعالى، من حيث إنه قضاؤه، وهذا كله يستمد من سر القدر الذي لا رخصة في إفشائه، وهو أن الخير والشر كلاهما داخلان في المشيئة والإدارة، ولكن الشر مراد مكروه، والخير مراد مرضى به.
والأولى السكوت والتأدب بأدب الشرع، والوقوف مع ما تعبد به الخلق، من الجمع بين الرضى بقضاء الله تعالى ومقت المعاصي، والله تعالى أعلم.
ومما يتعلق بالمحبة.
قيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: لو يعلم المدبرون عنى كيف انتظاري لهم، ورفقي بهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم، لماتوا شوقاً إلى، وتقطعت أوصالهم من محبتي.
يا داود: هذه إرادتي في المدبرين عنى، فكيف إرادتي في المقبلين على؟
يا داود أحوج ما يكون العبد إلى إذا استغنى عنى، وأجل ما يكون عندي إذا رجع إلي.
وكانت امرأة متعبدة تقول: والله لقد سئمت الحياة، حتى لو وجدت الموت يباع لاشتريته شوقاً إلى الله تعالى، وحباً للقائه. فقيل لها: فعلى ثقة أنت من عملك؟ قالت: لا، ولكنى لحبى إياه وحسن ظني به، أفتراه يعذبني وأنا أحبه؟
...
[٨ ـ باب في النية والإخلاص والصدق]
اعلم: أنه قد انكشف لأرباب القلوب ببصيرة الإيمان وأنوار القرآن أنه لا وصول إلى السعادة إلا بالعلم والعبادة.