ولا تكبر، وإذا وصف عند حسن حال عبد من عباد الله تعالى فيما أنعم عليه به، شق عليه ذلك، وإذا وصف له اضطراب أمور الناس وإدبارهم، وتنغيص عيشهم، فرح به، فهو أبداً يحب الإدبار لغيره، ويبخل بنعمة الله على عباده، كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزانته.
وقد قال بعض العلماء: البخيل من يبخل بمال نفسه، والشحيح الذي يبخل بمال غيره، فهذا يبخل بنعمى الله على عباده الذين ليس بينهم وبينه عداوة ولا رابطة، وهذا ليس له سبب إلا خبث النفس ورداءة الطبع، وهذا معالجته شديدة، لأنه ليس له سبب عارض، فيعمل على إزالته، بل سببه خبث الجبلة، فيعسر إزالته، فهذه أسباب الحسد.
[٦ ـ فصل [في سبب كثرة الحسد]]
واعلم: أنما يكثر الحسد بين أقوام تكثر بينهم الأسباب التي ذكرناها، ويقع ذلك غالباً بين الأقران، والأمثال، والإخوة، وبنى العم، لأن سبب التحاسد توارد الأغراض على مقاصد يحصل فيها، فيثور التنافر والتباغض.
ولذلك ترى العالم يحسد العالم دون العابد، والعابد يحسد العابد دون العالم، والتاجر يحسد التاجر، والإسكاف يحسد الإسكاف، ولا يحسد البزاز إلا أن يكون سبب آخر، لأن مقصد كل واحد من هؤلاء غير مقصد الآخر.
فأصل العداوة التزاحم على غرض واحد، والغرض الواحد لا يجمع متباعدين، إذ لا رابطة بين شخصين في بلدين، ولا يكون بينهما محاسدة إلا من اشتد حرصه على الجاه، فإنه يحسد كل من في العالم ممن يساهمه في الخصلة التي يفاخر بها.
ومنشأ جميع ذلك حب الدنيا، فإن الدنيا هي التي تضيق على المتزاحمين، وأما الآخرة، فلا ضيق فيها، فإن من احب معرفة الله تعالى، وملائكته، وأنبياءه، وملكوت أرضه وسماءه، لم يحسد غيره إذا عرف ذلك، لأن المعرفة لا تضيق على العارفين، بل المعلوم الواحد يعرفه ألف ألف عالم، ويفرح بمعرفة غيره، فلذلك لا يكون بين علماء الدين محاسدة، لأن مقصودهم معرفة الله سبحانه، وهو بحر واسع لا ضيق فيه، وغرضهم المنزلة عند الله، ولا ضيق فيما عند الله، لأن أجل ما عند الله من النعيم لذة لقائه، وليس فيه ممانعة ولا مزاحمة. ولا يضيق بعض الناظرين على