للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبو حفص وقال: وعزتك لا أخطو خطوة ما لم ترد عليه حماره، فظهر الحمار.

وروى عن برخ العابد أنه خرج يستقى فقال: يارب: أنت بالبخل لا ترمى، أنفذ ما عندك، اسقنا الساعة.

ولا يستبعد أن يحتمل من شخص ما لم يحتمل من غيره. وأما الرضى بقضاء الله تعالى، فهو من أعلى مقامات المقربين، وهو من ثمار المحبة، وحقيقته غامضة، ولا ينكشف الأمر فيه إلا لمن يفهمه عن الله تعالى.

ومن فضائل الرضى ما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا أراد الله بعبد خيراً أرضاه بما قسم له".

وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود: إنك لن تلقاني بعمل هو أرضى لى عنك، ولا أحط لوزرك من الرضى بقضائي.

ونظر علي بن أبى طالب رضى الله عنه إلى عدى بن حاتم كئيباً، فقال: ياعدى: مالي أراك كئيباً حزيناً؟ فقال: وما يمنعني فقد قتل ابناي، وفقئت عيني فقال: يا عدى! من رضى بقضاء الله جرى عليه وكان له أجر، ومن لم يرض بقضاء الله جرى عليه وحبط عمله.

ودخل أبو الدرداء رضى الله عنه على رجل وهو يموت وهو يحمد الله تعالى، فقال أبو الدرداء: أصبت، إن الله عز وجل إذا قضى قضاء أحب أن يرضى به.

وقال ابن مسعود رضى الله عنه: إن الله تعالى بقسطه وعمله جعل الروح والفرح في اليقين والرضى، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط.

وقال علقمة في قوله عز وجل: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: ١١] قال: هي المصيبة تصيب الرجل، فيعلم أنها من عند الله، فيسلم لها ويرضى.

وقال أبو معاوية الأسود في قوله تعالى: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: ٩٧] قال: الرضى والقناعة.

وفى الأخبار السالفة (١): أن نبياً من الأنبياء شكا إلى ربه عز وجل الجوع والفقر عشر سنين، فما أجيب إلى ما أراد، ثم أوحى الله إليه: كم تشكو؟ هكذا كان بدؤك عندي في أم الكتاب قبل أن أخلق السماوات والأرض، وهكذا سبق لك منى، وهكذا قضيت


(١) في الأصول: وفى الحديث.

<<  <   >  >>