للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فرس" (١): وفى بعض الأحاديث: "ردوا السائل ولو بظلف محرق". ولو كان السؤال حراماً، لما جاز إعانة المعتدى على عدوانه، والإعطاء إعانة.

وأما أحاديث النهى عن السؤال: فروى ابن عمر رضى الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله عز وجل وليس في وجهه مزعة لحم" أخرجاه في "الصحيحين".

وفيهما أيضاً: أنه صلى الله عليه وآله وسلم ذكر التعفف عن المسألة فقال: "اليد العليا خير من اليد السفلي". واليد العليا المعطية، والسفلي السائلة.

وفى حديث ابن مسعود رضى الله عنه: أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:" من سأل وله ما يغنيه، جاءت مسألته يوم القيامة خدوشاً أو كدوحاً في وجهه" إلى آخره.

وهو حديث حسن، وفى المعنى أحاديث كثيرة.

وكشف الغطاء في هذا أن نقول: السؤال في الأصل حرام، لأنه لا ينفك عن ثلاثة أمور:

أحدها: الشكوى.

والثاني: إذلال نفسه، وما ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه.

والثالث: إيذاء المسؤول غالباً.

وإنما يباح السؤال في حال الضرورة والحاجة المهمة القريبة من الضرورة، أما المضطر، فهو كسؤال الجائع عند خوفه على نفسه موتاً أو مرضاً، وكسؤال العاري الذي ليس له ما يواريه.

وأما المحتاج حاجة مهمة فهو كمن له جبة ولا قميص تحتها في الشتاء، فهو يتأذى بالبرد تأذيا لا ينتهي إلى حد الضرورة، فكذلك من يقدر على المشي لكن بمشقة، يجوز له أن يسأل أجرة يكترى بها للركوب، وتركه أولى، ومن وجد الخبز وهو محتاج إلى الأدم، فله أن يسأل مع الكراهة، وكذلك إذا سأل المحمل من هو قادر على الراحلة.

وينبغى في مثل هذه المسألة أن يظهر الشكر لله تعالى، ولا يسأل سؤال محتاج،


(١) أخرجه أحمد (١٧٣٠) وأبو داود (١٦٦٥) وفي سنده يعلى بن أبي يحيى لم يوثقه غير ابن حبان، ومع ذلك فقد جود إسناده الحافظان العراقي والسخاوي وغيرهما، وانظر "ذيل القول المسدد" ٦٨، ٧٠، فقد بسط القول في الكلام عليه.

<<  <   >  >>