خشبة يطيرها بها، فما يستقر فكره حتى تعود العصافير فيشتغل بها، فقيل له: هذا شئ لا ينقطع، فإن أردت الخلاص فاقطع الشجرة، فكذلك شجرة الشهوة إذا علت وتفرقت أغصانها انجذبت أليها الأفكار كانجذاب العصافير إلى الأشجار والذباب إلى الأقذار، فذهب العمر النفيس فى دفع ما لا يندفع، وسبب هذه الشهوات التي توجب هذه الأفكار حب الدنيا.
قيل لعامر بن عبد قيس رحمه الله: هل تحدثك نفسك بشيء من أمور الدنيا فى الصلاة؟ فقال: لأن تختلف الأسنة في أحبُّ إلي من أجد هذا.
واعلم: أن قطع حب الدنيا من القلب أمر صعب وزواله بالكلية عزيز، فليقع الاجتهاد فى الممكن منه، والله الموفق والمعين.
المعنى الثالث: التعظيم لله والهيبة، وذلك يتولد من شيئين: معرفة جلال الله تعالى وعظمته، ومعرفة حقارة النفس وأنها مستعبدة، فيتولد من المعرفتين: الاستكانة، والخشوع.
ومن ذلك الرجاء: فانه زائد على الخوف، فكم من معظم ملكاً يهابه لخوف سطوته كما يرجو بره.
والمصلى ينبغي أن يكون راجياً بصلاته الثواب، كما يخاف من تقصيره العقاب.
وينبغى للمصلى أن يحضر قلبه عند كل شئ من الصلاة، فإذا سمع نداء المؤذن فليمثل النداء للقيامة ويشمر للاجابة، ولينظر ماذا يجيب، وبأي بدن يحضر. وإذا ستر عورته فليعلم أن المراد من ذلك تغطية فضائح بدنه عن الخلق، فليذكر عورات باطنه وفضائح سره التي لا يطلع عليها إلا الخالق، وليس لها عنه ساتر، وأنها يكفرها الندم، والحياء، والخوف.
وإذا استقبل القبلة فقد صرف وجهه عن الجهات إلى جهة بيت الله تعالى، فصرف قلبه إلى الله تعالى أولى من ذلك، فكما أنه لا يتوجه إلى جهة البيت إلا بالانصراف عن غيرها، كذلك القلب لا ينصرف إلى الله تعالى إلا بالانصراف عما سواه.
إذا كبرت أيها المصلى، فلا يكذبن قلبك لسانك، لأنه إذا كان فى قلبك أكبر من الله تعالى قد كذبت، فاحذر أن يكون الهوى عندك أكبر بدليل إيثارك موافقته على طاعة الله تعالى.