للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طمأنينة القلب إلى الدنيا والأنس بها، فإذا كثرت المصائب انزعج القلب عن الدنيا ولم يسكن إليها، فصارت سجناً له، فكانت نجاته منها غاية المراد كخلاص المسجون من السجن.

وأما التألم فهو ضروري وذلك يضاهى فرحك بمن يحجمك أو يسقيك دواء نافعاً بلا أجر فإنك تتألم وتفرح، فتصبر على الألم، وتشكر على سبب الفرح، فمن عرف هذا تصور منه أن يشكر على البلاء، ومن لا يؤمن أن ثواب المصيبة أكثر منها لم يتصور منه الشكر على المصيبة.

وقد روى أن أعرابياً عزى ابن عباس رضى الله عنه بأبيه فقال:

اصبر نكن بك صابرين فإنما ... صبر الرعية عند صبر الرأس

خير من العباس صبرك بعده ... والله خير منك للعباس

فقال ابن عباس رضى الله عنهما: ما عزاني أحد أحسن من تعزيته.

وقد سبق ذكر أنواع البلاء، وثواب الصبر عليها.

فإن قال قائل: الأخبار الواردة في فضل الصبر تدل على أن البلاء في الدنيا خير من النعيم، فهل لنا أن نسأل الله عز وجل البلاء؟

فالجواب: أنه لا وجه لذلك، فإن في الحديث من رواية أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاد رجلاً من المسلمين صار مثل الفرخ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "هل كنت تدعو بشيء أو تسأله؟ " قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة، فعجله لى في الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سبحان الله لا تطيقه ولا تستطيعه، فهلا قلت: اللهم آتتا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".

ومن حديث أنس رضى الله عنه أيضاً، أن رجلاً قال: يا نبى الله: أي الدعاء أفضل؟ قال: "سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة" ثم أتاه الغد، فقال يا رسول الله، أي الدعاء أفضل؟ قال: "سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة" ثم أتاه اليوم الثالث، فقال: "سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة، فإن أعطيت العفو والعافية في الدنيا والآخرة فقد أفلحت".

وفى "الصحيحين" انه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "تعوذوا بالله من جهد

<<  <   >  >>