نعم، إذ لم يكن في ديني، وإذ لم يكن أعظم، وإذ لم أحرم الرضا به، وإذ أرجو الثواب عليه.
قال رجل لسهل بن عبد الله: دخل اللص بيتي وأخذ متاعي، فقال: اشكر الله تعالى، لو دخل الشيطان قلبك فأفسد إيمانك، ماذا كنت تصنع؟ ومن استحق أن يضربك مائة سوط، فاقتصر على عشرة فهو مسحق للشكر.
الثالث: أن ما من عقوبة إلا كان يتصور أن تؤخره إلى الآخرة، ومصائب الدنيا يتسلى عنها فتخفف، ومصيبة الآخرة دائمة، وإن لم تدم، فلا سبيل إلى تخفيفها، ومن عجلت عقوبته في الدنيا لم يعاقب ثانياً، كذا ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وفى "صحيح مسلم": "إن كل ما يصاب به المسلم يكون كفارة له، حتى النكبة ينكبها، والشوكة يشاكها".
الرابع: أن هذه المصيبة كانت مكتوبة عليه في أم الكتاب، ولم يكن بد من وصولها إليه، فقد وصلت واستراح منها، فهي نعمة.
الخامس: أن ثوابها أكثر منها، فإن مصائب الدنيا طرق إلى الآخرة، كما يكون المنع من أسباب اللعب نعمة في حق الصبى، فإنه لو خلى واللعب، لكان يمنعه، ذلك من العلم والأدب، فكان يخسر طول عمره، وكذلك المال والأهل والأقارب والأعضاء، قد تكون سبباً لهلاكه، فالملحدون غداً يتمنون أن لو كانوا مجانين وصبياناً، ولم يتصرفوا بعقولهم في دين الله تعالى، فما من شئ من هذه الأسباب يوجد من العبد، إلا ويتصور أن يكون له في ذلك خبرة دينية، فعليه أن يحسن الظن بالله عز وجل، ويقدر الخيرة فيما أصابه، ويشكر الله تعالى عليه، فإن حكمة الله تعالى واسعة، وهو أعلم بمصالح العباد منهم، وغداً يشكره العباد على البلاء إذا رأوا ثوابه، كما يشكر الصبي بعد البلوغ أستاذه وأباه على ضربه وتأديبه، إذ رأى ثمرة ما استفاد من التأديب.
والبلاء تأديب من الله تعالى، ولطفه بعباده أتم وأوفى من عناية الآباء بالأولاد ..
وفى الحديث:"لا يقضى الله للمؤمن قضاء إلا كان خيراً له".
وأيضاً، فاعلم أن رأس الخطايا المهلكة حب الدنيا، ورأس أسباب النجاة التجافي بالقلب عنها، ومواتاة النعم على وفق المراد من غير امتزاج ببلاء ومصيبة تورث