للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأموال السلاطين ويمزق بعضهم أعراض بعض إذا اختلفوا في غرض، وهؤلاء غرورهم ظاهر.

ومثالهم مثال عجوز سمعت أن الشجعان والأبطال من المقاتلين تثبت أسماؤهم في الديوان، ويقطع كل واحد منهم قطراً من أقطار الأرض، فاشتاقت نفسها إلى ذلك، فلبست درعاً ووضعت على رأسها مغفراً، وتعلمت من رجز الأبطال أبياتاً، وتعلمت زيهم وجمع شمائلهم، ثم توجهت إلى العسكر، فكتب اسمها في ديوان الشجعان، فلما حضرت في ديوان العرض، أمرت بتجريد المغفر والدرع لينظر ما تحته وتمتحن بالمبارزة، فلما جردت إذا هي عجوز ضعيفة زمنة، فقيل لها: جئت تستهزئين بالملك وأهل حضرته، خذوها وألقوها بين أيدي الفيل، فألقيت إليه.

فهكذا يكون حال المدعين التصوف في القيامة إذا كشف عنهم الغطاء، وعرضوا على الحاكم الأكبر الذي ينظر إلى القلب لا إلى المرقعات والزي.

وفرقة أخرى ادعت علم المعرفة، ومشاهدة الحق، ومجاورة المقامات والأحوال، والوصول إلى القرب، ولا يعرفون من تلك الأمور إلا الأسماء، فترى أحدهم يرددها ويظن أن ذلك أعلى من علم الأولين والآخرين، فهو ينظر إلى الفقهاء والمحدثين وأصناف العلماء بعين الازدراء، فضلاً عن العوام، حتى إن بعض العامة يلازمهم الأيام الكثيرة، ويتلقف منهم تلك الكلمات المزيفة، ويرددها كأنه يتكلم عن الوحى، ويحتقر في ذلك جميع العلماء والعباد، ويقول: إنهم محجوبون عن الله، وإنه هو الواصل إلى الحق، وإنه من المقربين، وهو عند الله من الفجار المنافقين، وعند أرباب القلوب من الحمقى الجاهلين، لم يحكم علماً ولم يهذب خلقاً، ولم يراقب قلباً سوى اتباع الهوى وحفظ الهذيان.

وفرقة منهم طووا بساط الشرع، ورفضوا الأحكام، وسووا بين الحلال والحرام، وبعضهم يقول: إن الله مستغن عن عملي فلم أتعب نفسي؟

وبعضهم يقول: لا قدر للأعمال بالجوارح، وإنما النظر إلى القلوب، وقلوبنا والهة بحب الله تعالى، وواصلة إلى معرفته، وإنما نخوض في الدنيا بأبداننا، وقلوبنا عاكفة في الحضرة الربانية، فنحن مع الشهوات بالظواهر لا بالقلوب، ويزعمون انهم قد تراقوا عن رتبة العوام، واستغنوا عن تهذيب النفس بالأعمال البدنية، وأن الشهوات

<<  <   >  >>