جناية على المسجد، لا أن يرى تلويث المسجد بالحرام، أو بزخرف الدنيا منه على الله تعالى، فغرور هذا من حيث أنه يرى المنكر معروفاً.
وفرقة أخرى يحفظون الأموال ويمسكونها بخلاً، ثم يشتغلون بالعبادات البدنية التي لا تحتاج إلى نفقة المال، كالصيام والصلاة وختم القرآن، وهم مغرورون لأن البخل مهلك، وقد استولى على قلوبهم، فهم محتاجون إلى قمعه بإخراج المال، فقد اشتغلوا عنه بفضائل لا تجب عليهم.
ومثالهم مثال من دخلت في ثوبه حية، فاشتغل عنها بطبخ السكنجبين لتسكن به الصفراء.
ومنهم من لا تسمح نفسه إلا بأداء الزكاة فقط، فيخرج الرديء من المال، أو يعطى من الفقراء من يخدمه، ويتردد في حاجاته، أو من يحتاج إليه في المستقبل أو من له فيه غرض.
ومنهم من يسلم من ذلك إلى بعض الأكابر ليفرقه، لينال بذلك عنده منزلة ويقوم بحوائجه، وكل ذلك مفسد للنية وصاحبه مغرور، لأنه يطلب بعبادة الله تعالى عوضاً عن غيره.
وفرقة أخرى من أرباب الأموال وغيرهم، اغتروا بحضور مجالس الذكر، وظنوا أن نفس الحضور يغنيهم عن العمل والاتعاظ، وليس كذلك، لأن مجلس الذكر إنما فضل لكونه مرغباً في الخير، وكل ما يراد لغيره إذا لم يوصل إلى ذلك الغير فلا وقع له، وربما سمع أحدهم التخويف، فلا يزيد على قوله: يا سلام سلم، أو أعوذ بالله، ويظن أنه قد أتى المقصود.
ومثال هذا كمثل مريض يحضر عند الأطباء فيسمع ما يجرى، أو الجائع يحضر عند من يصف له الأطعمة اللذيذة، ثم ينصرف فلا يغنى ذلك عنه. فكذلك سماع وصف الطاعات دون العمل بها، فكل وعظ لم يغير منك صفة تتغير بها أفعالك، فهو حجة عليك.
فإن قيل: فما ذكرته من مداخل الغرور أمر لا يكاد يخلص منه.
فالجواب: أن مدار أمر الآخرة على معنى واحد، وهو تقويم القلب، ولا يعجز