من قصر، فسبيله أن يعالج نفسه بسماع الأخبار والآثار، فيطالع أحوال الخائفين وأقوالهم، ويسبب عقولهم ومناصبهم إلى مناصب الراجين المغرورين، فلا يتمارى في أن الاقتداء لهم أولى، لأنهم الأنبياء والعلماء والأولياء.
وفى "صحيح مسلم" من حديث عائشة رضى الله عنها، قالت: دعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جنازة غلام من الأنصار. فقلت: يا رسول الله، طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة، لم يدرك الشر ولم يعمله، قال:"أو غير ذلك يا عائشة؟ إن الله عز وجل خلق للجنة أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم".
ومن أعجب ما ظاهره الرجاء وهو شديد التخويف، قوله تعالى:{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}[طه: ٨٢] فإنه علق المغفرة على أربعة شروط، يبعد تصحيحها.
ومن المخوفات قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢)} [العصر: ١، ٢] ثم ذكر بعدها أربعة شروط، بها يقع الخلاص من الخسران. وقال تعالى:{وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}[السجدة: ١٣].
ومعلوم أنه لو كان الأمر مستأنفاً لامتدت الأطماع في التحيل، فأما ما حق في القدم، فلا يمكن تداركه فليس إلا التسليم، لولا أن الله تعالى لطف بعارفيه، وروح قلوبهم بالرجاء، لاحترقت من نار الخوف.
وقال أبو الدراء رضى الله عنه: ما أحد أمن على إيمانه أن يسلبه عند الموت إلا سلبه.
ولما حضرت سفيان الثوري الوفاة، جعل يبكى، فقال له رجل: يا أبا عبد الله: أراك كثير الذنوب، فرفع شيئاً من الأرض وقال: والله لذنوبي أهون عندي من هذا، ولكن أخاف أن أسلب الإيمان قبل الموت.
وكان سهل رحمه الله تعالى يقول: المريد يخاف أن يبتلى بالمعاصي، والعارف يخاف أن يبتلى بالكفر.