للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويروى أن نبياً من الأنبياء، شكا إلى الله تعالى الجوع والعرى، فأوحى الله عز وجل إليه: عبدى، أما رضيت أن عصمت قلبك أن يكفرني حتى تسألني الدنيا؟!

فأخذ التراب فوضعه على رأسه وقال: بلى قد رضيت، فاعصمني من الكفر.

فإذا كان هذا خوف العارفين من سوء الخاتمة مع رسوخ أقدامهم، فكيف لا يخاف ذلك الضعفاء؟!

ولسوء الخاتمة أسباب تتقدم على الموت، مثل البدعة، والنفاق، والكبر، ونحو ذلك من الصفات المذمومة، ولذلك اشتد خوف السلف من النفاق.

قال بعضهم: لو أعلم أنى برى من النفاق، كان أحب إلى مما طلعت عليه الشمس، ولم يريدوا بذلك نفاق العقائد، إنما أرادوا نفاق الأعمال، كما ورد في الحديث الصحيح: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان".

وسوء الخاتمة على رتبتين:

إحداهما أعظم، وهو أن يغلب على القلب والعياذ بالله شك، أو جحود عند سكرات الموت وأهواله، فيقتضي ذلك العذاب الدائم.

والثانية دونها، وهى أن يسخط الأقدار، ويتكلم بالاعتراض، أو يجوز في وصيته، أو يموت مصراً على ذنب من الذنوب.

وقد روى أن الشيطان لا يكون في حال أشد على ابن آدم من حال الموت، يقول لأعوانه: دونكم هذا، فإنه إن فاتكم اليوم لم تلحقوه.

وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه كان يدعو: "اللهم إنى أعوذ بك أن يتخبطنى الشيطان عند الموت" (١).

قال الخطابي: وذلك أن يستولي على الإنسان حينئذ، فيضله ويحول بينه وبين

التوبة أو يمنعه الخروج من مظلمة، أو يؤيسه من رحمة الله ويكره إليه الموت، فلا


(١) أخرجه أبو داود (١٥٥٢) والنسائي ٨/ ٢٨٢ من حديث أبي اليسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: "اللهم إني أعوذ بك من الهدم، وأعوذ بك من التردي، وأعوذ بك من الحرق والغرق والهدم وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً وأعوذ بك أن أموت لديغاً" وسنده قوي، وصححه الحاكم.

<<  <   >  >>