الحالة الثانية: أن يعلم أن كلامه لا ينفع وأنه إن تكلم ضرب، فيرتفع الوجوب عنه.
الحالة الثالثة: أن يعلم إن إنكاره لا يفيد، لكنه لا يخاف مكروهاً، فلا يجب عليه الأمر لعدم الفائدة، لكن يستحب لإظهار شعائر الإسلام والتذكير بالدين.
الحالة الرابعة: أن يعلم أنه يصاب بمكروه، ولكن يبطل المنكر بفعله، مثل أن يكسر العود، ويريق الخمر، ويعلم أنه يضرب عقيب ذلك، فيرتفع الوجوب عنه، ويبقى مستحباً لقوله في الحديث:"أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر".
ولا خلاف أنه يجوز للمسلم الواحد أن يهجم على صفوف الكفار ويقاتل، وإن علم أنه يقتل، لكن إن علم أنه لا نكاية له في الكفار، كالأعمى يطرح نفسه على الصف، حرم ذلك، وكذلك لو رأى فاسقاً وحده وعنده قدح خمر وبيده سيف، وعلم أنه لو أنكر عليه لشرب الخمر لضرب عنقه، لم يجز له الإقدام على ذلك، لأن هذا لا يؤثر في الدين أثراً يفديه بنفسه، وإنما يستحب له الإنكار إذا قدر على إبطال المنكر، وظهر لفعله فائدة، كمن يحمل في صف الكفار ونحوه.
وإن علم المنكر أنه يضرب معه غيره من أصحابه، لم تجزله الحسبة، لأنه عجز عن دفع المنكر إلا بإفضائه إلى منكر آخر، ليس ذلك من القدرة في شىء. ولسنا نعنى بالعلم في هذه المواضيع إلا غلبة الظن، فمن غلب على ظنه أنه يصيبه مكروه، لم يجب عليه الإنكار، وإن غلب على ظنه أنه لا يصيبه وجب، ولا اعتبار بحالة الجبان، ولا الشجاع المتهور، بل الاعتبار بالمعتدل الطبع، السليم المزاج. ونعنى بالمكروه: الضرب أو القتل، وكذلك نهب المال، والإشهار في البلد مع تسويد الوجه، فأما السب والشتم، فليس بعذر في السكوت، لأن الآمر بالمعروف يلقى ذلك في الغالب.
الركن الثاني: أن يكون ما فيه الحسبة منكراً موجوداً في الحال ظاهراً، فمعنى كونه منكراً أن يكون محذور الوقوع في الشرع، والمنكر أعم من المعصية، إذ من رأى صبياً أو مجنوناً يزنى بمجنونة أو بهيمة، فعليه أن يمنعه.
وقولنا: موجوداً في الحال، احتراز ممن شرب الخمر وفرغ من شربها، ونحو