ومن الآداب: تقليل العلائق، وقطع الطمع عن الخلق لتزول المداهنة، فقد حكى عن بعض السلف أنه كان له سنور، وكان يأخذ لسنوره في كل يوم من قصاب في جواره شيئاً من الغدد. فرأى على القصاب منكراً، فدخل الدار فأخرج السنور، ثم جاءه فأنكر على القصاب، فقال: لا أعطيك بعد هذا شيئاً لسنورك، فقال: ما أنكرت عليك إلا بعد إخراج السنور وقطع الطمع منك، وهذا صحيح، فإن لم يقطع الطمع من الناس من شيئين لم يقدر على الإنكار عليهم.
أحدهما: من لطف ينالونه به.
والثاني: من رضاهم عنه وثنائهم عليه.
وأما الرفق في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فمتعين، قال الله تعالى:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا}[طه: ٤٤].
وروى أن أبا الدرداء رضى الله عنه مر على رجل قد أصاب ذنبا والناس يسبونه، فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب، ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى، قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافكم، فقالوا: أفلا تبغضه؟ فقال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه، فهو أخي.
ومر فتى يجر ثوبه، فهم أصحاب صلة بن أشيم أن يأخذوه بألسنتهم أخذاً شديداً، فقال صلة: دعوني أكفكم أمره، ثم قال: يا ابن أخي، إن لى إليك حاجة. قال ما هي؟ قال: أحب أن ترفع إزارك، قال نعم ونعمى عين (١)، فرفع إزاره، فقال صلة، لأصحابه: هذا كان أمثل مما أردتم، فإنكم لو شتمتموه وآذيتموه لشتمكم.
وُدعي الحسن إلى عرس، فجئ بجام من فضة فيه خبيص، فتناوله وقلبه على رغيف، فأصاب منه، فقال رجل: هذا نهى في سكون.
...
(١) أي قرة عين، يعني: أقر عينك بطاعتك واتباع أمرك.