الله، فإن كان ذلك يحرك فتنة يتعدى شرها إلى الغير، لم يجز، وإن لم يخف إلا على نفسه، فهو جائز عند جمهور العلماء، والذى أراه المنع من ذلك، لأن المقصود إزالة المنكر، وحمل السلطان بالانبساط عليه على فعل المنكر أكبر من المنكر الذي قصد إزالته، وذلك أن أقرب السلاطين التعظيم، فان سمعو من آحاد الرعية: يا ظالم، يا فاسق، رأوا غاية الذل، لم يصبروا على ذلك.
قال الإمام أحمد رحمه الله: لا تتعرضن بالسلطان، فان سيفه مسلول، فأما ما جرى من السلف من التعرض لأمرائهم، فانهم كانوا يهابون العلماء، فإذا انبسطوا عليهم احتملوهم في الأغلب.
وقد جمعت مواعظ السلف للخلفاء والأمراء في كتاب " المصباح المضئ " وأنا أنتخب منه ها هنا حكايات.
قال سعيد بن عامر لعمر بن الخطاب رضى الله عنه: إنى موصيك بكلمات من جوامع الآلام ومعالمه: اخش الله في الناس، ولا تخش الناس في الله، ولا يخالف قولك فعلك، فإن خير القول ما صدقه الفعل، وأحب لقريب المسلمين وبعيدهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك، وخض الغمرات إلى الحق حيث علمته، ولا تخف في الله لومة لائم. قال: ومن يستطع ذلك يا أبا سعيد؟ قال: من ركب في عنقه مثل الذي ركب في عنقك.
...
وقال قتادة: خرج عمر بن الخطاب رضى الله عنه من المسجد ومعه الجارود، فإذا امرأة برزة على الطريق، فسلم عليها، فردت عليه، أو سلمت عليه، فرد عليها، فقال: هيه يا عمر، عهدتك وأنت تسمى عميراً في سوق عكاظ تصارع الصبيان، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الموت خشى الفوت، فبكى عمر رضى الله عنه، فقال الجارود: هيه، لقد تجرأت على أمير المؤمنين وأبكيتيه.
فقال عمر: دعها، أما تعرف هذه؟ هى خولة بن حكيم التى سمع الله قولها من فوق سماواته، فعمر والله أحرى أن يسمع كلامها.
...
ودخل شيخ من الأزد على معاوية، فقال: اتق الله يا معاوية، واعلم أنك كل يوم