للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيخ، فقال أبو حازم: كذبت، إن الله أخذ ميثاق العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه. قال سليمان: يا أبا حازم، أصبحنا تصيب منا ونصيب منك. قال: أعود بالله من ذلك. قال: ولم؟ قال: أخاف أن أركن إليكم شيئا قليلاً، فيذيقنى ضعف الحياة، وضعف الممات. قال. فأشر على، قال: اتق الله أن يراك حيث نهاك، أو يفقدك حيث أمرك.

قال: يا أبا حازم، ادع لنا بخير. فقال: اللهم إن كان سليمان وليك فيسره للخير، وإن كان غير ذلك، فخذ إلى الخير بناصيته، فقال: يا غلام، هات مائة دينار ثم قال: خذ يا أبا حازم. قال لا حاجة لى به، لى ولغيرى في هذا المال أسوة، فإن واسيت بيننا وإلا فلا حاجة لى فيها، إنى أخاف أن يكون لما سمعت من كلامى. فكأن سليمان أعجب بأبى حازم، فقال الزهرى: إنه لجارى منذ ثلاثين سنة، ما كلمته قط، فقال أبو حازم: إنك نسيت الله فنسيتنى. قال الزهرى: أتشتمنى؟ قال سليمان: بل أنت شتمت نفسك، أما علمت أن للجار على الجار حقاً؟ قال أبو حازم: إن بنى إسرائيل لما كانوا على الصواب كانت الأمراء تحتاج إلى العلماء، وكانت العلماء تفر بدينها منهم، فلما رأى ذلك قوم من أذلة الناس تعلموا العلم، وأتوا به الأمراء، واجتمع القوم على المعصية، فسقطوا وانتكسوا، ولو كان العلماء يصونون دينهم وعلمهم، لم تزل الأمراء تهابهم. قال الزهرى: كأنك إياى تريد وبى تعرض؟ قال: هو ما تسمع.

...

وحكى أن أعرابيا دخل على سليمان بن عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين، إنى مكلمك بكلام فاحتمله وإن كرهته، فإن وراءه ما تحب إن قبلته. قال: قل، قال: يا أمير المؤمنين، إنه قد أكتنفك رجال ابتاعوا دنياك بدينهم، ورضاك بسخط ربهم، خافوك في الله ولم يخافوه فيك، خربوا الآخرة وعمروا الدنيا، فهم حرب للآخرة، سلم للدنيا، فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه، فانهم لم يألو الأمانة تضييعاً والأمة خسفاً، وأنت مسؤول عما اجترحوا، وليسوا بمسؤولين عما اجترحت، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك، فان أعظم الناس غبناً بائع آخرته بدنيا غيره. فقال سليمان: أما أنت فقد سللت لسانك، وهو أقطع من سيفك. فقال: أجل يا أمير المؤمنين، لك لا عليك. قال: فهل من حاجة في ذات نفسك؟ قال: أما خاصة دون عامة فلا، ثم قام

<<  <   >  >>